كتب ابراهيم حيدر في" النهار": يرفع رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الصوت. الانهيار أطاح بالبنى الأساسية لإعادة النهوض. يشير في حديث لـ "النهار" قبل ساعات قليلة من ولادة الحكومة إلى المشكلة الاساس، أي أن الدولة مخطوفة، وهو ما يظهر جلياً بعدم التقيد بالدستور ... كل معالم الدولة اصبحنا في حل منها، ولم نعد نميز بين ما هو حق وما هو باطل.
يعتبر أن ما يزيد من مشكلة انفراط البلد وتفككه، هو ما طرح من ثلث معطل لرئيس الجمهورية. هذا الواقع يدل بوضح إلى تخريب النظام الديموقراطي. ليس فقط الثلث المعطل، إنما في نمط تشكيل حكومات الوحدة الوطنية، وهي التي بات تقليدها واقعاً منذ عام 2008. تحوّلت الحكومة إلى مجلس نواب مصغر، وهذا أول انتهاك للدستور أي أن الحكومة هي انعكاس للمجلس.
يشير السنيورة إلى أن الحكومة هي مركز القرار ويفترض أن تكون متضامنة لأكثرية كشرط للديموقراطية الصحيحة، بوجود معارضة تستطيع ان ترفع صوتها ضمن هذا الاطار. ليس إدارة الحكومة أن تحكم من في الحكومة بل كل اللبنانيين، وهي عليها أن تكون حيادية في علاقتها بالناس باعتبارها مركز القرار.
يستذكر السنيورة أول حكومة شكلها في تموز 2005، وهي الحكومة الأولى بعد خروج النظام السوري من البلد. يشير إلى أنه زار رئيس مجلس النواب نبيه بري، واقترح عليه عقد جلسة أسبوعية لمحاسبة الحكومة، بدلاً من الجلسات العامة التي تحوّلت الى امتحان للقدرة الخطابية عند النواب. وهي الطريقة الوحيدة لممارسة الديموقراطية. والحقيقة أن هذه التجربة استمرت 5 أشهر إلى أن حدث الاعتكاف وتوقفت. الخلاصة من هذا الاقتراح هو أن الحكومة تتخذ القرارات وتُحاسب، ويمارس النواب دورهم، بدلاً من عقد جلسات متباعدة يسعى النائب من خلالها إلى انتزاع مطالبه من الوزراء قبل أن يلقي كلمته.
القصد من ممارسة السلطات لمهماتها وصلاحياتها، هو ألا يكون هناك فيتوات في الحكومة. فالطريقة التي تتشكل فيها الحكومات قائمة على التعطيل والفيتوات، وهو ما يؤدي الى كسر إنتاجية الحكومة وتهميش دورها. بوادر ظهور الفيتوات والممارسات غير الدستورية بدأت خلال مرحلة الوصاية السورية، وهي تصرفت وفق مصالحها ورغباتها، أما اليوم، فإن الناظم هو "حزب الله". تأخذ الحكومة ساعات لإصدار قرار يظهر بالتسويات والمقايضة.
تشكلت الحكومة اليوم وفق هذا المنظور. يذكّر السنيورة بكلام أطلقه بعد زيارته الرئيس نبيه بري في 6 كانون الثاني الماضي، وكان لا يزال الرئيس سعد الحريري مكلفاً التشكيل، جاء فيه، "إن أمام رئيس الجمهورية والرئيس المكلف خيارين، إما أن تتألف حكومة ترضي السياسيين وبالتالي تولد ميتة ولا تستطيع أن تحقق للبنانيين أي نتيجة. أو أن تؤلف حكومة تلبي مطامح اللبنانيين الشباب الذين يريدون نمطاً ومقاربات جديدة في معالجة المشكلات وأيضاً تستطيع أن تبدأ بالخطوة الأولى نحو استعادة ثقة المجتمعين العربي والدولي". في رأي السنيورة أن هذين الخيارين لا ثالث لهما. وكان كل يوم نتاخر فيه عن تأليف الحكومة هو فعلياً وعلى الأقل شهر إضافي من الأوجاع والمشكلات والآلام والمشكلات والمصائب الإضافية ستحل بلبنان.
ما حدث من فراغ ومعه استعصاءات وشروط وتعطيل، يعتبره السنيورة تجاوز للدستور. وهذه المسألة الأهم التي أطاحت ممارساتها الدولة. رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يصر على موقفه وشروطه لا يكترث لما يحدث للناس لا يوافق إلا إذا نال ما يريد، وهذا يعني أنه لا يتصرف كرئيس للجمهورية بل كرئيس لتيار سياسي. وما وصلنا اليه من وضع مزر يتحمل مسؤوليته الجميع، ذلك عندما كنا نوافق أخيراً على شروطه، الم يُحجز البلد في الفراغ لمدة سنتين ونصف السنة بين 2014 و2016؟ عدم احترام الدستور أوصلنا إلى ما نحن عليه وخطفت معه الدولة. الخلاصة في هذا الامر أن الرئيس القوي ليس فقط القوي عند طائفته بل لكل اللبنانيين.
بالنسبة إلى السنيورة، إخراج البلد من مأزقه لا يتم فقط بتأليف حكومة ... الحكومة المتجانسة بلا وصاية سياسية وحدها تتقدم، مع إدراك مجلس النواب لما يجب أن يتخذه... وإما نكرر الحكومات التي عشنا معها في الفترة الماضية. هذا هو جوهر القضية، ما عاد في الإمكان مداواة مشكلات لبنان بالمراسم، والمشكلة ليست مشكلة نظام، إذا كان البعض يطرح الفدرالية، لأن ذلك يؤدي إلى فرز طائفي وتهجير مخيفين.
نشهد اليوم تداعيات الوضع الحالي على الصعد التعليمية. يقول السنيورة إن جوهر وجود البلد هو فكرة التميز. هي التي أعطته دوره الأساس في موضوع التعليم والانفتاح. لبنان عاش هذه الصفات والمميزات طوال العقود الماضية. اليوم ما نشهده من انهيار وهجرة للكفاءات يجعل من الصعب إعادة تكوينها. الواقع أن الماكينة التي تؤهل وتعيد البناء تعرضت لنكسة خطيرة، بسبب الانهيار والحروب وكورونا. هنا التعويض ليس سهلاً، في غياب "الصانع" فكل شيء يمكن تعويضه في مقابل إعادة بناء الكفاءات واستعادة التميز. المشكلة أن الازمة جعلت الناس تنشغل بنفسها وتواجه بعضها بعضاً. وها نحن نلتهي بالقشور والظواهر ونبتعد عن المشكلة الاساس، أي الدولة المخطوفة...