كتب المحرر السياسي: منذ إعلان تشكيل الحكومة أخيرًا، بعد انتظار دام 13 شهرًا، لم تتوقّف التحليلات والتكهّنات، حول المكاسب السياسيّة الآنيّة هنا، وإمكانيات الاستغلال السياسي هناك، وكُتِبت مقالات بالجملة حول "الرابحين والخاسرين" من التشكيلة الحكوميّة، وسط نقاشات واسعة حول "المنتصر الأكبر"، بالمنظار السياسيّ الضيّق للكلمة.
لكن، منذ لحظة إعلان تشكيل الحكومة أيضًا، كان واضحًا أنّ الرئيس نجيب ميقاتي اختار اتّباع نهجٍ آخر، فالظرف ليس عاديًا، والوضع لا يحتمل "ترف" النزاع على "الربح والخسارة"، ولذلك استبدل "الكلمة المكتوبة" المتعارَف عليها بعد إصدار مراسيم التأليف، بكلمة "من القلب"، أراد من خلالها مخاطبة "وجدان" الناس الصامدين رغم كلّ المعوّقات.
وبخلاف "الصمت" الذي انتهجه في مرحلة التكليف، اختار الرئيس ميقاتي تكثيف إطلالاته في اليومين الماضيين، ليوجّه رسالة واضحة لكلّ يعنيه الأمر: هذه الحكومة ألِّفت لإنقاذ لبنان، وهي ستبذل قصارى جهدها لتحقيق الهدف المنشود منها، بعيدًا عن كلّ الأحكام المسبقة التي وجدت طريقها، والأهم أنّها ستحترم الاستحقاقات الدستورية، وفي مقدّمها الانتخابات.
نقاش "الثلث" لم ينتهِ!
هكذا إذًا، امتلأت الساحة السياسية خلال اليومين الماضيين بالتحليلات والقراءات حول "شكل" الحكومة، وحسابات الربح والخسارة على خطّها. ولعلّ "المفارقة" المثيرة للانتباه، أنّ "الثلث"، معطّلاً كان أم ضامنًا، الذي استحوذ على الاهتمام طيلة مرحلة التكليف، لم ينسحب من المشهد بعد التأليف، وسط اتهامات متبادلة لم تنتهِ فصولاً.
هكذا، اعتبر كثيرون أنّ الحكومة شُكّلت بعدما حصل الرئيس ميشال عون على "الثلث المعطّل" في الحكومة، وثمّة من ذهب أبعد من ذلك ليعتبر أنّ الوزير جبران باسيل كان "الرابح الأكبر"، وأنّه حصل على كلّ ما أراده، فيما "أفتى" آخرون بأن كلّ الوزراء التوافقيّين والمستقلّين في الحكومة، حتى الذين سمّاهم الرئيس ميقاتي، هم أقرب إلى الرئيس عون منهم إلى أيّ شخصية أخرى، داخل الحكومة أو خارجهم.
وبمُعزَل عن مدى كون مثل هذا النقاش يمثّل "ظاهرة صحية"، لا سيّما في الظروف الحالية، كال لافتًا أنّ الرئيس ميقاتي هو شخصيًا من وضع له حدًّا، حين لم يكتفِ بنفي كلّ ما أثير في هذا السياق من أحاديث وتكهّنات حول "وزير ملك" من هنا أو هناك، بل جزم أنّه يمتلك "الثلثين" في الحكومة، في إشارة إلى أنّها تضمّ فريق عمل متجانسًا، سيكون معنيًا بإنجاز "خريطة الطريق" التي يُرتجى منها الكثير.
"إلى العمل"
باختصار، اختار الرئيس ميقاتي أن يؤكد في تصريحاته الإعلامية خلال اليومين الماضيين، على "ثابتة" شبه واضحة: الأساس هو العمل، لأنّ لا وقت لتضييعه بعد اليوم، بعدما هدر السياسيين الكثير من الوقت على امتداد العام المنصرم، والمطلوب الانصراف لوضع البرنامج الوزاريّ، وهو ما بدأه رئيس الحكومة بسلسلة لقاءات استبقت الاجتماع الأول للحكومة، وتعيين لجنة صياغة البيان الوزاري، وفق ما ينصّ عليه الدستور.
وقد تكون التصريحات التي أدلى بها ميقاتي في اليومين الماضيين كافية أيضًا لرسم صورة واضحة حول معالم الحكومة، كما يريدها رئيسها، علمًا أنّها كانت "تطمينية" في أكثر من جانب، خصوصًا مع تأكيده احترام الاستحقاقات الدستورية الآتية، وعلى رأسها الانتخابات المفترضة في أيار المقبل، في ظلّ مخاوف جدية من وجود "نوايا" مضمرة للتمديد للبرلمان، و"تطيير" الاستحقاق، أسوة بالانتخابات الفرعية.
وإذا كان الرئيس ميقاتي أكّد في تصريحاته وجود "نوايا صادقة" لديه لتحقيق ما يتطلّع إليه اللبنانيون، الذين قد تكون الحكومة "خشبة الخلاص" الوحيدة المُتاحة أمامهم، في ظلّ الكوارث والمصائب المتلاحقة، فإنّ المفصل الأساسيّ سيكون في "أداء" الحكومة التي تنطلق رسميًا اليوم إلى العمل، على وقع تحدّيات غير سهلة، بل معقّدة، تنتظرها، ولا بدّ أن تكون على قدر الطموحات والآمال المعلَّقة عليها.
تشكّلت الحكومة أخيرًا. تنفّس البلد الصعداء. تحقّق "الانتعاش" على أكثر من مستوى. لكنّ الأزمات لا تزال "ثقيلة". محطّات المحروقات تنذر بالإقفال الكامل، ورفع الدعم على الأبواب. وضع الكهرباء يزداد سوءًا، والعتمة الشاملة أضحت واقعًا. الأدوية لا تزال مفقودة، والأسعار "تغلي". لذلك، لا "مهلة مفتوحة" أمام الحكومة، فالمطلوب منها عمل سريع ومنتج، وإلا فإنّ الانهيار قد يسبقها، وهنا المصيبة الكبرى!.