من أصل مئة نائب كانوا مشاركين في جلسة الثقة نالت حكومة "معًا للإنقاذ" ثقة 85 نائبًا ينتمون إلى مختلف الكتل النيابية، بإستثناء نواب "الجمهورية القوية".
فهذه الثقة، التي كان من الممكن أن تكون أكثر من ذلك لولا سفر البعض وإعتذار البعض الآخر لأسباب قاهرة، هي مسؤولية جديدة تُلقى على عاتق الوزراء، كلّ في وزارته، بإعتبارهم فريق عمل واحدًا. فأي نجاح في أي وزارة يعني نجاح جميع الوزراء. وأي فشل على المستوى الوزاري الفردي يعني فشلًا جماعيًا. وهذا الأمر يحتمّ على الجميع، حتى ولو كانت بعض الوزارات على غير علاقة بما يُهيأ له من حلول عاجلة لها صلة بحياة الناس وشؤونهم اليومية، التعاون وشدّ الهمم والتعاضد والتآزر.
هذه الثقة يجب أن تكون دافعًا للجميع من أجل مضاعفة الجهود، وعدم النوم على حرير. حتى أن البعض يقولون إن النوم ملء الجفون لم يعد متاحًا لمن إرتضوا أن تُسند إليهم هذه المهمات، التي تتطلب أكتافًا عريضة. الظرف الصعب لا يسمح للوزراء بأن يأخذوا وقتهم الكافي لكي يترجموا ما ورد في البيان الوزاري أعمالًا فورية، بحيث يلمس المواطنون أن ثمة فرقًا بين ما كانت عليه حياتهم السابقة وما ستؤول إليه، ولو بنسب متفاوتة، وفق ما تسمح به الظروف والمعطيات الميدانية.
المعارضون لهذه الحكومة من خارج الندوة البرلمانية كثر. هم ينتظرونها على الكوع وعند كل مفرق طرق. فإذا أقدمت على أي خطوة ناقصة فسيكثر "السلاّخون". هم في الأساس يرفضون إعطاءها ثقتهم، لأنهم يرفضون كل ما له علاقة بالسلطة السياسية. أمّا إذا أتت النتائج على عكس ما يتوقعه هؤلاء المعارضون والرافضون فإن النظرة السلبية المطلقة المتحكّمة بمنطقهم قد تتحوّل، ولو ببطء، إلى نظرة واقعية وأكثر قابلية لإمكانية الأخذ والعطاء.
هذه الحكومة التي نالت ثقة نيابية وازنة نسبيًا لا يمكنها أن تصلح ما أفسده الدهر دفعة واحدة، خصوصًا إذا لم تلق مؤازرة من الجميع، وبالأخصّ من الحراك المدني. الوضع أكثر صعوبة مما يتخيّله البعض، وكذلك الحلول. فلا أحد يملك عصا سحرية، لأن الأمور المعقدّة والمتشابكة لا تُحلّ بكبسة زرّ. لذلك، وفي أول خطوة له، سيحاول الرئيس نجيب ميقاتي "ضرب الحديد وهو حامٍ. وستكون له أكثر من زيارة إلى الخارج في محاولة منه لجسّ نبض جميع الدول التي تبدي إستعدادًا لمدّ يد المساعدة إلى لبنان المحتاج إلى كل مساعدة ممكنة، بحيث أن كل بحصة من الخارج يمكن أن تسند الخابية اللبنانية المتهاوية. وأول الغي زيارته لباريس على أن تليها زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت، كما هو متوقع.
وعلى خطّ موازٍ، تنشط الإتصالات الرسمية وغير الرسمية مع عدد من الفعاليات اللبنانية في المغتربات لحضّ جميع المغتربين على المساهمة في ورشة إعادة وضع بلدهم الأمّ على سكّة التعافي، ولكي يعود إلى ممارسة دوره الطليعي من حيث جودة خدماته الطبية والتربوية والسياحية، على أن تكون للرئيس ميقاتي لقاءات مكّثفة مع أبناء الجاليات اللبنانية على هامش الزيارات التي سيقوم بها إلى الخارج، وحيث للوجود اللبناني حضور فاعل ومؤّثر.
فبداية الغيث بعض من قطرات الماء. وقد تأتي هذه القطرات هذه المرّة من باريس، راعية مؤتمر "سيدر" وراعية الحل الإقتصادي في لبنان، بالتوازي مع الحلول السياسية المتداخلة بين ما هو خارجي مع ما هو داخلي، خصوصًا أن ثمة أطرافًا من الداخل اللبناني إلتقطت "أنتناتهم" معالم المرحلة المقبلة فدخلوا في زواريب "اللعبة الكبرى" إذا صحّ التعبير، وذلك حفاظًا أقله على ماء وجوههم.