عندما تكون الرصاصة بدولار او دولارين، تصبح حياة الانسان رخيصة جدا. وعندما يغيب العقاب وتدخل المحاسبة في دهاليز المحسوبيات والوساطات، فعلى أمنكم الاجتماعي أقيموا مجالس العزاء وقداديس الراحة، فتاتيانا واكيم لن تكون أولى الضحايا ولا أخرها. حتى 20 أيلول 3 قتلى قضوا ضحايا الرصاص الطائش خلال العام الجاري، و81 قتيلاً خلال الأعوام 2010-2021، فيما سجلت الأرقام 169 جريحاً، في بلد يحاصرنا فيه الرصاص الطائش، وتحاصرنا الصراعات والامن المتفلت والعزلة الاقتصادية.
بحسب "الدولية للمعلومات" والجدول المرفق، تظهر الأرقام أنّ 81 مواطناً قُتلوا نتيجة الرصاص الطائش وتم تسجيل 169 جريحاً أي بمعدل سنوي 7 قتلى و15 جريحاً، وفقاً للجدول الذي يستند الى وسائل الإعلام وتقارير قوى الأمن الداخلي، وذلك خلال الأعوام 2010-2021.
قانوناً، يجرّم الفرد الذي يقوم بإطلاق عيارات نارية في الهواء ويعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وقد تصل العقوبة الى الأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات ولا تتجاوز 15 عاماً، وبغرامة من 20 إلى 25 ضعف الحد الأدنى للأجور، وذلك في حال أدى إطلاق النار الى الوفاة بحسب القانون رقم 71/.2016 ولكن هل سمعتم يوماً عن أحد تسبب بمقتل مواطن وتمت محاسبته؟
لم تشكل القوانين بمطلق الأحوال يوماً رادعاً لمنع تكرار الجريمة، والنتيجة المزيد من الضحايا، اخرهم كانت العروس تاتيانا التي خرقت قلبها رصاصة، أردتها ملاكا في سماء العدالة الإلهية. وقبلها كُثر راحت دمائهم رخيصة والامثلة على ذلك كثيرة.
استسهال الجريمة
لعلّ المسألة لا ترتبط فقط في وجود السلاح المتفلت، وإن كان هو الوسيلة، بل في تركيبة الجو العام السائد بظل مختلف الأوضاع التي يمر بها لبنان، والذي يدفع تدريجياً الى الانهيار، ودونه مجموعة عناوين مصيرية منها استسهال الجريمة.
نتحدث هنا عن ثقافة حياة، عن تركيبة بحاجة الى اقتلاعها من جذورها، وهو ما يصعب المهمة بسبب تفلت هذه الظاهرة بمعظم المناطق دون استثناء، وخروجها من فكر "العقلية القديمة" الى فكر "الهيبة" المفقودة عند الدولة، الموجودة عند الافراد، حسب ثقافتهم: "أنا أحمل السلاح أنا أحمي نفسي".
"نظام الأمن الذاتي"، بهذه العبارة تترجم الطبيبة والمعالجة النفسية ريما المصري ظاهرة السلاح المتفلت، حيث يشعر الفرد بغياب الامن ما يدفعه الى البحث عن مصدر سلام ذاتي، مشيرة في حديث خاص لـ“لبنان 24" الى أنّ الشخص الذي يقوم بإطلاق النار سواء بهدف القتل المباشر او الترهيب او الخطأ فإنّه غالباً ما يعاني من حالات اضطراب نفسي. وبحسب المصري: "العنف بطبيعة الحال مكون أساسي لدى البشر، يتم ترويضه بفعل الثقافة والتربية، وتأتي العوامل الخارجية لتعزيزه وتدفع الى مزيد من التوتر والعدوانية. وفي ظل ما نعاني في لبنان فإنّ كل هذه الصراعات اليومية التي نعيشها تدفع للجهوزية وفتح باب العنف على مصراعيه".
امام هذه العوامل مصحوبة بسهولة الحصول على السلاح وتوفر السلاح اساساً في المنازل، فإنّ الجريمة تصبح سهلة، تصبح الترجمة العملانية الأولى لهذه التوليفة الأليمة التي تؤدي الى مزيد من الضحايا. وتتابع المصري: "يأتي ذلك ايضاً في ظل غياب الرادع القانوني، والتباهي في حمل السلاح، إضافة الى كل ما سبق ذكره. ما يؤدي الى انتهاج سلوك عدواني عنفي قد لا تحمد عقباه، وهو ما يحصل حاليا ًفي لبنان من ازدياد جرائم العنف والقتل والسرقات".
مشاريع اموات
ومن استسهال الجريمة الى استسهال الشراء، فسوق السلاح كما السمك، على عينك يا تاجر. كل شيء مباح، في تجارة الموت وشراء الأوهام، ما يفتح باب النقاش على ما هو أبعد من مجرد عقاب قانوني، حيث الحلول في القضاء على التفكير "الميليشوي"، كي لا نكون جميعاً مشاريع أموات.