لا يزال لبنان يرزح تحت وطأة أزمة المحروقات. لا فيول بكميات كافية لتأمين الكهرباء في المعامل. ورغم استقدام المادة من العراق، بقيت "العتمة الشاملة" هي المشهد الذي يُوحد كافة المناطق اللبنانية. مسلسل الطوابير أمام محطات الوقود وتقنين المولدات الخاصة مستمر. رُفع الدعم عن المازوت، وسعرته وزارة الطاقة بالدولار. إلا أن المادة لا تزال مفقودة في الاسواق، ويتم تأمينها بشكل خاص للقطاعات الحياتية الملحّة كالمستشفيات والافران والسوبر ماركت... أما أصحاب المولدات، فرفعوا الصوت بعدما أصبح طن المازوت بـ549 دولارا. ومن جهة ثانية، يترقب المواطن تسعيرة المولدات هذا الشهر التي سترتفع أضعافا مضاعفة. ويرى مراقبون لازمة الطاقة، أن مشكلة الكهرباء والمحروقات لن تُحل، ما دامت الدولة غير قادرة على تأمين التغذية، وأن رفع الدعم عن البنزين والمازوت من شأنه أن يزيد من الاعباء على المواطنين والتجار والقطاعات الصناعية والغذائية والطبية والخدماتية، وسيدفع بعضها إلى الاقفال.
في السياق، يوضح رئيس تجمع أصحاب المولدات الخاصة في لبنان عبدو سعادة لـ"لبنان24" أن "تسعيرة الـ549 دولارا لكل طن من مادة المازوت مقسمة ما بين 540 دولار لشراء المادة، و9 دولارات لنقلها". ويقول إنه "تم توزيع كميات قليلة إلى الاسواق بسعر 610 و617 دولار". ويسأل "من يتحمل هذه التكلفة وتبعاتها على المواطن؟"
ويبقى الهم عند اللبناني تأمين الكهرباء، بعد تعذر "كهرباء لبنان" عن تأمين التيار الكهربائي منذ فترة لعدّة أسباب لها علاقة باستقدام الفيول، وصيانة وإعادة تأهيل المعامل، وفتح الاعتمادات لبواخر الفيول... ومع رفع الدعم عن المازوت، وما رافق الخطوة من أخبار تُفيد أن المادة ستتوفر أكثر في الاسواق، يقول سعادة "هل يهم المواطن أن يدفع فاتورة المولدات الخاصة أضعافا؟ وأين المازوت بعد رفع الدعم". ويُضيف أن الدفع لتأمين المازوت بالدولار، وبين تسعيرة الـ540 و610 دولارا، هناك فرق بـ70 دولارا، ووزارة الطاقة لن تتحمل هذا الفرق الكبير بالعملة الخضراء الذي يوازي المليون ليرة على سعر صرف 15 الف ليرة، بل أصحاب المولدات". ويسأل: "وزارة الطاقة سعّرت المازوت على الدولار، وهل من المعقول أن يبيع صاحب المولد بالليرة اللبنانية؟"
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورا عن تسعيرات شهرية لبعض أصحاب المولدات الخاصة بالدولار، أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف اليومي. ويلفت سعادة الانتباه إلى أن وزارة الطاقة هي التي تُسعّر شهريا، ولا توجه إلى اعتماد فاتورة بالدولار إن لم تصدر عن الوزارة، ويبقى القرار عند وزير الطاقة الجديد وليد فياض لتقرير التسعيرة هذا الشهر، بالدولار، أو بالليرة". ويتخوف من ارتفاع الدولار في السوق الموازية مرّة جديدة، وبلوغه الـ20000 ليرة. ويُتابع أن أصحاب المولدات تقدموا بطعن ضد قرار تسعير المازوت بالدولار، ونحن مع التسعير بالليرة اللبنانية علينا، كما على المواطنين، وإذا استمر القرار وفق الدولار، فإن القطاع ذاهب إلى الاقفال". ويحذر مراقبون من أن الاتجاه إلى اعتماد التسعيرة بالدولار، إن أقرتها الوزارة، سيكون لها تداعيات خطيرة على المواطنين، كما على أصحاب المولدات والقطاعات التي تستهلك المازوت، وسيُصبح اشتراك المولدات للاغنياء فقط.
وتجدر الاشارة إلى أن الدعم على المحروقات رُفع بسبب تعذر مصرف لبنان عن تأمين الدولارات لاستيراد البنزين والمازوت، ورفضه المسّ بالاحتياطي الالزامي. هنا، يُوضح سعادة أنه "من المستحيل تأمين الدولارات من الصرافين يوميا، وعددنا كبير، ومعدل الدولار المطلوب لاصحاب المولدات لتأمين المازوت سيكون بين 2.5 إلى 3 ملايين دولار يوميا".
ويكشف سعادة أن لا لقاء قريبا مع وزير الطاقة، ولا نعرف بعد "خيره من شره". ويأمل بالحكومة الجديدة خيرا وبطريقة عملها لمعاجلة المشاكل. ويُضيف أن "أصحاب المولدات كانوا يؤمنون المازوت من السوق الموازية بالليرة، ومع قرار وزارة الطاقة الجديد، شرعوا للسوق الموازية البيع بالدولار".
من جهة ثانية، نجح "حزب الله" باستقدام المازوت الايراني، وإدخاله من سوريا إلى لبنان عبر صهاريج. وقد تداولت وسائل إعلامية أن المولدات الكهربائية في الضاحية الجنوبية عادت إلى العمل مع توفر المادة. وتجدر الاشارة أيضا إلى أن "الحزب" أعلن عن بيع المازوت بالليرة اللبنانية وبسعر 140 الفا. ويرى سعادة أن "هذا المازوت أصبح أمرا واقعيا في البلد. ولكن، هناك بعض الامور التي هي بحاجة إلى توضيح في هذا الخصوص، وأهمها التأكد من تسعيره على أساس الـ140 الف ليرة، ومواصفاته ونوعيته، واستمراريته".
ولم يتم توزيع المازوت إلى نهار الاثنين الماضي، على الرغم من تسعيرته المرتفعة بالدولار، بحسب ما يقول سعادة. ويُشير إلى أنه "إذا استمر التسعير بالدولار، فمن المرجح أن يُصبح الكيلو واط/ بالساعة بمعدل 4000 إلى 4500 ليرة، وزيادة الاشتراك الثابت على المولدات وتأكيد تسعيرة كل كيلو واط/ بالساعة هي من مسؤولية وزارة الطاقة".
وتبقى الامال كبيرة بنجاح الحكومة الجديدة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي وإعادة العلاقات بين لبنان والدول العربية والغربية كما كانت في السابق، وعودة المساعدات والاستثمارات من هذه الدول، وأن تأتي زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى فرنسا، واجتماعه بالرئيس إيمانويل ماكرون غدا بثمارها، وتُعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان وحكومته، التي تعهدت بمعالجة الازمات المعيشية وتطبيق الاصلاحات والسياسات الاقتصادية التي من شأنها أن تُخفض سعر صرف الدولار في السوق الموازية أكثر، الامر الذي سيعود إيجابيا ايضا على رفع الدعم عن المحروقات وفواتير المولدات الخاصة وغيرها من أسعار المواد الغذائية.