كتب إيلي الفرزلي في "الاخبار":
نهاية أيلول على بعد أسبوع فقط. والمعامل تتوقف تباعاً بسبب نقص الفيول. فبعد نفاد كامل السلفة التي كانت مخصصة لتأمين حاجة المؤسسة من الفيول، المصدر الوحيد الذي يُغذّي معامل الكهرباء بالطاقة حالياً هو النفط العراقي. وبعد إجراء المناقصة الأولى لاستبدال 84 ألف طن من هذا النفط، بـ 33 ألف طن من الغاز أويل و30 ألف طن من الفيول «غراد ب»، وصلت شحنة الديزل في منتصف أيلول وكان يُفترض أن تتبعها شحنة الفيول خلال أيام، إلا أنها لم تصل إلى اليوم. بالنتيجة، أطفئت المعامل العاملة على هذا النوع من الفيول، أي معملَي الجية والزوق الجديدين والباخرتين التركيتين بالكامل (تنتجان 35 ميغاواط من أصل 370)، وإذا لم تصل الباخرة قبل نهاية الشهر كما يتردد، فإن معملَي الزهراني ودير عمار سيتبعانها.
وفيما يفترض أن تُطلق مناقصة شهر تشرين الأول قريباً، بهدف استبدال الفيول العراقي (عملية استبدال واحدة شهرياً)، فإن الأزمة ستتكرر كل شهر طالما أن الفيول لا يصل إلى لبنان حالياً إلا من خلال عملية استبدال الفيول العراقي. وهي عملية لا تكفي لتأمين أكثر من 5 ساعات يومياً، إذا لم تطرأ أي مشكلة. لذلك، فإن وزارة الطاقة تتواصل مع المعنيين لبحث إمكانية الحصول على سلفة ثانية تساهم في تأمين كميات إضافية من الفيول.
لكن المشكلة نهاية الشهر لا تقتصر على نقص إمدادات الفيول. الباخرتان التركيتان ينتهي عقدهما في الوقت نفسه. وتؤكد المعلومات أن وفداً تركياً كبيراً من الشركة الأمّ وصل إلى لبنان للتحضير لعملية الفصل عن الشبكة. فهل وزارة الطاقة مستعدة لهذا الفصل ولانعكاساته؟
كل المؤشرات تؤكد أن الأزمة ستكون كبيرة بعد مغادرة الباخرتين، أولاً لأن مؤسسة كهرباء لبنان ستكون مضطرة إلى تعويض النقص من خلال معامل كلفة تشغيلها عالية مثل بعلبك وصور (إن توفر الديزل)، وثانياً لأن استجرار الغاز المصري فتح النقاش أمام إمكانية تشغيل الباخرتين على الغاز، بما يسمح بزيادة كمية الكهرباء المنتجة من معامل على الغاز، وبالتالي تحقيق المزيد من الوفر. فبعيداً عن المنطق التقسيمي المذهبي الذي يجعل البعض يتحفّظ عن فكرة تركيز إنتاج الطاقة في منطقة واحدة، تؤكد المعلومات التقنية أن خط الـ 220 يسمح بنقل ما يقارب 1200 ميغاواط من دير عمار إلى كل المناطق اللبنانية (بعد إنجاز وصلة المنصورية). وبالتالي، فإنه، إضافة إلى معمل دير عمار الحالي الذي ينتج 450 ميغاواط، يمكن ربط معامل تنتج حتى 700 ميغاواط.
البنك الدولي: زيادة إنتاج المعامل وزيادة التعرفة توفّران 1.2 مليار دولار سنوياً
لا تزال مساعي إعادة استجرار الغاز المصري إلى الشمال مستمرة، حيث تعمل الدول المعنية على التحقق من جهوزية الخط لديها. وقد أكدت المعلومات أن الخط في سوريا صار جاهزاً لنقل الغاز، فيما تجزم مصادر وزارة الطاقة اللبنانية بأن الجانب السوري أبدى استعداده لإرسال فريق تقني للكشف على الخط في لبنان (30 كلم) مجاناً. كما سبق أن راسل غجر وزارة المالية للمساعدة في تحديث الاتفاقيات المالية المتعلقة باستجرار الغاز، وطلب من رئاسة الحكومة التواصل مع المعنيين لتحرير اتفاقية الغاز من قانون قيصر. إذ تبين أن الجانب الأميركي لم يُصدر بعد أي قرار رسمي يؤكد الإعفاء، الذي أبلغ شفهياً إلى الجانبين الأردني والمصري. ومن دون مستند رسمي أميركي، لا تجرؤ أيّ شركة معنية على الإقدام على أي خطوة تنفيذية في الملف.
وبعدما تردد سابقاً أن البنك الدولي سيدفع مباشرة ثمن الغاز لمصر من خلال قروض للبنان، تكفّلت مصادر متعددة بالتوضيح أن البنك سيكون بمثابة الكفيل المالي للبنان. بحسب المعلومات، فإن هذه الكفالة مرهونة بإعداد دراسة لرفع التعرفة بالدرجة الأولى. ولذلك، عمد البنك إلى التعاون مع وزارة الطاقة لإعداد دراسة تسمح بتحقيق توازن نسبي في مالية كهرباء لبنان. الخطة التي كان يشرف عليها غجر لم تُنجز بالكامل، رغم أن مصادر في الوزارة كانت قد أكدت أن المسوّدة الأخيرة أنجزت، وكان يفترض أن تناقش مع المعنيين.
تنطلق الدراسة من تقديرات تشير إلى أن معدل التغذية يصل إلى 14 ساعة يومياً، 4 ساعات من معامل الدولة و10 ساعات من المولدات الخاصة. حجر الزاوية في الدراسة هو السعي إلى قلب المعادلة، بحيث يرتفع معدل التغذية من معامل الدولة إلى 10 ساعات مقابل انخفاض معدل التغذية من المولّدات إلى 4 ساعات.
الدراسة اعتمدت سعر صرف للدولار يساوي 16 ألف ليرة، وحددت المدة بأربعة أشهر. وتشير إلى أنه في حال أريد تأمين تغذية 10 ساعات يومياً من الكهرباء، ينبغي إنتاج 800 ميغاواط إضافية، تحتاج إلى فيول بقيمة 265 مليون دولار لأربعة أشهر. ومع إضافة 115 مليون دولار لتغطية الصيانة والتشغيل وقطع الغيار والزيوت والمواد الاستهلاكية، يصل المجموع إلى 380 مليون دولار، يفترض أن تطلبها المؤسسة. الحسبة تشير إلى أن عملية استبدال ساعات الإنتاج بين المولّدات والمعامل توفر 211 مليون دولار خلال أربعة أشهر، بسبب الفارق بين سعر المازوت الخاص بالمولدات وسعر الفيول الخاص بالمعامل.
من دون مستند رسمي أميركي، لا تجرؤ أيّ شركة على الإقدام على أيّ خطوة في ملف استجرار الغاز
بحسب الدراسة، ينبغي إصدار تعرفة جديدة، تؤدي إلى زيادة عائدات كهرباء لبنان، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن تبقى أقل من تعرفة المولّدات الخاصة بشكل كبير. الخطة وضعت تعرفة أوّلية هي 2000 ليرة للكيلوواط، مفترضة أن رفع الدعم سيجعل سعر الكيلوواط المنتج من المولدات الخاصة 6000 ليرة، ما يعني خفض الكلفة الإجمالية على المواطنين، من جراء الحصول على 14 ساعة تغذية، بنحو 200 مليون دولار، لتكون النتيجة استرداد الـ 400 مليون دولار التي يمكن أن تتكلّفها الخزينة. وفي حال بدء تشغيل معمل دير عمار على الغاز المصري، فإن الوفر في الفيول سيزيد 130 مليون دولار سنوياً.
الخطة لم تحسم إن كانت آلية التسعير ستبقي على خمسة شطور أو أنها ستقتصر على ثلاثة. لكن ما هو محسوم أن الشطر الأول، أي أول 300 كيلوواط، لن يتغير سعره أو بالحد الأقصى سيرفع إلى 100 ليرة. وهو ما تعتبره مصادر معنية ضمانة لنحو 350 ألف عائلة بأن تحصل على 10 ساعات تغذية يومياً بكلفة بسيطة (في حال قررت الاكتفاء بصرف 300 كيلوواط شهرياً، وفي حال استغنت عن المولّدات!)
باختصار، تجزم مصادر مطّلعة بأن البنك الدولي لا يمكن أن يضمن تأمين ديمومة تدفقات الغاز المصري إلى لبنان من دون إقرار الدراسة التي أعدّها. فهو يريد أن يضمن بالحد الأدنى أن لبنان قادر على تسديد ثمن الغاز أو يسعى إلى ذلك. وهو أمر ممكن عملياً، بعد رفع التعرفة، إذ إن مداخيل كهرباء لبنان سترتفع بشكل كبير. وإذا ما قررت الحكومة، على سبيل المثال، دعم استيراد الفيول الخاص بالمعامل على سعر 8000 ليرة، فإن المؤسسة ستكون قادرة على دفع ثمن الفيول الخاص بها، بما يؤدي إلى وقف مسلسل سلف الخزينة المستمر منذ سنوات طويلة.