"الى الآن بقينا نوعاً ما سلميّين...أعتقد أن هذا الأمر سيتغيّر"، هي عبارة للمهندس بول نجار الذي فقد طفلته الصغيرة ألكسندرا في انفجار المرفأ، وهي تتماهى مع ما قاله إبراهيم حطيط الذي خسر أخاه في الانفجار المشؤوم نفسه حين ردّد منذ يومين " رح نولّع الدني كلها ...رح نروح للعنف"، أما ريما الزاهد التي خسرت أيضاً أخاً في ريعان شبابه فصرخت بحرقة " شعرتُ بأننا نتعرّض للخيانة".
ما قاله هؤلاء المجروحون حتى انقطاع النَفَس من فقدان أحبائهم عن مسار مغاير لتحركاتهم التي لم تهدأ حتى بعد مضي قرابة أربعة عشر شهراً على أكبر انفجار في تاريخ لبنان القديم والحديث، وبعد الكفّ الموقت ليد المحقق العدلي في الجريمة القاضي طارق البيطار عن متابعة التحقيق بانتظار قرار محكمة إستئناف بيروت المدنية قبولاً أو رفضاً لطلب نقل الدعوى الى قاضٍ آخر، تظهّر عبر ما يشبه "خيبة أمل" دولية من تجميد التحقيق ،فالخارجية الفرنسية أسفت لِما اعتبرت أنه"...من حق اللبنانيين معرفة الحقيقة"، فيما لَحَظت منظمة العفو الدولية أن تجميد التحقيق هو "دليل على أن القيادة السياسية كان لها هدف واحد منذ اليوم الأول وهو وقف التحقيق."
وقبل ذلك بنحو سنة ومن قلب بيروت التي زارها مرتين بعد الإنفجار ومن قبالة أطلال ما تبقى من إهراءات داخل حرم المرفأ، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على "إجراء تحقيق مفتوح وشفاف للحيلولة دون إخفاء الأمور أولاً ولمنع التشكيك".
الضغط الشعبي لاستكمال مسار التحقيق بعد توقّفه للمرة الثانية من أجل إلقاء الضوء بشكل كامل على ما حدث في الرابع من آب ٢٠٢٠، إضافة الى ضغط دولي الى حدٍ ما قد يدفعان أولياء الدم وشخصيات لبنانية وجهات دولية باتجاه المطالبة بإحالة الجريمة على لجنة تحقيق دولية أو بعثة تقصي حقائق موثوقة ما من شأنه إعطاء مصداقية أكبر لنتائج التحقيقات، إن وصلت الى خواتيمها المطلوبة، فهناك من يجزم أن المحقق العدلي، إذا تمكن من تسطير قراره الإتهامي في نهاية المطاف بقدرة قادر، فإن مصير ملف هذه الجريمة قد يلاقي مصير عشرات ملفات الإغتيال والجرائم التي وقعت خلال السنوات الماضية وأحيل عدد منها أمام المجلس العدلي الذي يُلقّب من بعض أهل القانون ب" مقبرة الأحكام" ...والعلم عند الله.