لا يُمكن أبداً التساهل مع أحداث الطيونة بالأمس، خصوصاً أنها كادت تفتحُ معركة غير محسوبة. فهناك، كان استدراج المنطقة واضحاً لحدثٍ أمني، لكن المشكلة تكمُن في عدم التقاط إشارات واضحة بشأن كيفية حصول ذلك قبل وقوعه.
وحتى الآن، فإنّ الصورة حول بداية الإشتباك ترسخت بالاتجاه التالي: اعتداءٌ على تظاهرة لمناصري حركة "أمل" و"حزب الله" ضد اجراءات المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، وبعدها حصل إطلاق نار وقنص تبعه إشتباكٌ عنيف.
وهنا، فإنه بالنسبة لـ"حزب الله" و حركة "أمل"، فإنّ "البادي أظلم"، وما حصل في البداية كان كميناً وليس اشتباكاً بناءً لمعطياتهم. أمّا بالنسبة لحزب "القوات اللبنانية" الذي وجّه إليه "الثنائي الشيعي" أصابع الاتهام بافتعال الأحداث، فإنّ الحُجة الأولى بشأن ما حصل كان الرّد على اعتداء طال محلات تجاريّة في منطقة الطيونة.
ماذا حصل بالتفصيل؟
ما جرى في الطيونة كاد يُمكن أن يمهّد لقتالٍ أعنف وحربٍ مفتوحة، لكن الواضح أن القرار بذلك لم يكن مأخوذاً. وعن هذا الأمر، تقول جهات أمنية أنه ما حصل لم يكن محسوباً بهذا الشكل. وفي الواقع، فإن أبرز السيناريوهات التي كانت مُتوقعة هي أنّ تظاهرة "الثنائي الشيعي" سيُقابلها تظاهرة من "القوات" أو من حزب "الكتائب اللبنانية" في محيط قصر العدل، على أن يكون الفاصل بين التحركات الجيش والقوى الأمنية، لكن كل ذلك لم يحصل.
وعملياً، فإن الأنظار اتجهت إلى الطيونة، حيث كان التحرك باتجاه قصر العدل سيمر من هناك وتحديداً على الطريق الرئيسي، وهناك كانت بداية الاحتكاك ومن ثمّ الاشتباك.
ووفقاً لمعلومات "لبنان24"، فإنّ القوى الأمنية حصلت على فيديوهات عديدة توثق ما حصل بالتفصيل، وتشير المعطيات إلى أن التظاهرة كانت تمرّ خارج الأحياء الداخلية للطيونة. وأثناء مرورها بجانب مفترقٍ لشارع داخلي، تعرض شبانها لرشقٍ بالحجارة من قبل مجموعة من الشبان كانت موجودة داخل ذلك الشارع. وعملياً، فإن هذا المفترق يبعدُ نحو 100 متر عن الطريق الرئيسي. وهنا، اعتبرت مصادر "أمل" و "حزب الله" أنّ ما حصل كان استدراجاً لكمين، إذ دخل الشبان المشاركون في التظاهرة إلى الشارع الفرعي الضيق. وهناك، بدأوا بتكسير بعض المحلات التجاريّة في الداخل إلى جانب عددٍ من السيارات وذلك وسط ترديد هتافات مثل "شيعة شيعة". وإثر ذلك، بدأ تبادل الرشق بالحجارة بين هؤلاء وشبان كانوا يضعون أمامهم صخوراً استخدموها في البداية لرشق التظاهرة.
وفي تلك اللحظات، سُمع إطلاق نار في الشارع الداخلي وذلك بعدما اقترب متظاهرو "أمل" و"حزب الله" باتجاه المنطقة أكثر أثناء تقدّهم تدريجياً باتجاه الشبان الذين رشقوهم بالحجارة. وهنا، تقول المعطيات الأمنية أن القنص قد بدأ في تلك اللحظات، وأصيب شخصان في البداية وسقط عددٌ من الجرحى في اللحظة نفسها.
قرارٌ لمعركة؟
وبناء على ما هذه المشهدية، بدأ الاشتباك، ووفقاً لمصادر من "حزب الله" و حركة "أمل"، فإنّه لم يكن هناك جهوزية ميدانية لذلك، ولكن كل السيناريوهات كانت محسوبة. وفعلياً، فإن الوقت الفاصل بين حادثة القنص والاشتباك المسلح الفعلي كان قرابة ربع ساعة بالحد الأدنى، ما يعني أن مسلحين من كل الجهات كانوا خارج النطاق الجغرافي للإشكال الأول، قد وصلوا إلى هناك. وبناء على هذا الأمر، تقول مصادر "الثنائي الشيعي" إن "المسلحين الذين شاركوا في الاشتباك هم من شباب الشياح وعين الرمانة، وما دفعهم إلى ذلك هو ردة الفعل بعد معرفتهم بتعرض شبان التظاهرة لكمين مسلح". في المقابل، يرى "القواتيون" أن شبان "الثنائي الشيعي" دخلوا إلى مناطق ليست لهم، وبالتالي كان يستوجب على أبناء تلك المناطق الدفاع عنها.
وعلى أساس أن ما حصل هو "ردّة فعل" وليس خطة، تقول مصادر الثنائي أنه ليس هناك من قرار لاستخدام سلاح في الشارع، وتضيف: "لم يكن هناك أي قرارٍ تنظيمي بافتعال معركة، لأنه في حال كان ذلك مطروحاً، فإن الأمور كانت ستذهب بمنحى مختلف تماماً، وكان الرد سيكون أقسى وأعنف".
وأوضحت المصادر أن "أحداث خلدة كانت خير دليل بأننا لم ننجر إلى فتنة ومعركة شاملة"، مشيرة إلى أن "مثل هذه الحوادث سيتم استيعابها وامتصاصها، وحالياً فإن سبل المعالجة موجودة ولا يوجد خيار بمعركة لأن هذا الأمر يعتبرُ كبيراً جداً".
كذلك، فإنّ أسماء الأشخاص الذين جرى توقيفهم قد تم تسليمهم من قبل "حزب الله" إلى مخابرات الجيش. كذلك، فقد علم "لبنان24" من مصادر في حركة "أمل" أنّ "رئيس مجلس النواب نبيه بري شدّد في اتصالاته الأخيرة على وجوب التهدئة وعدم الانجرار إلى أي فتنة والتعامل مع أحداث الطيونة بحكمة ووعي كبيرين في ظل المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها لبنان".