منذ سنوات لم ينعم اللبنانيون حقاً بفرحة الأعياد حيث أنّ الغصّة غلبت كل مشاعر البهجة في نفوسهم نتيجة للأزمات المتراكمة التي ألمّت بالبلاد وأغرقتها في دوامة الانهيار، وعبثاً تحاول العائلات اللبنانية التحضير لاحتفالات الميلاد ورأس السنة إذ تجد نفسها متعثرة بواقع معيشي قاسٍ ينزع البسمة عن الوجوه ويمدّ مكانها بساط الكرَب.
في طرابلس، شمال لبنان، كان دوماً للميلاد رهجة خاصة، حيث كانت مظاهر العيد تملأ شوارع المدينة، الا أن هذا العام بدا مختلفاً واكثر تميّزاً بعد سنوات من اليُتمِ شهدتها الساحة الطرابلسية على مستوى الاحتفالات، إذ أطلقت منظّمة "Acua” بالتضامن مع جمعيات مدنية مبادرة بعنوان "هالميلاد طرابلس أقوى"، حيث تم اختيار الفيحاء فسحة ينطلق منها الأمل من جديد.
لا عجب أن تكون طرابلس، الحاضنة لمفهوم الانفتاح والعيش المشترك، نقطة تلاقي للشماليين خصوصاً واللبنانيين عموماً، الا أن إصرار رئيسة منظّمة “Acua” رولا الفاضل على تنظيم مهرجان الاعياد في هذه المدينة بالذات ما هو الا وفاءً من "بنت المدينة" لعاصمة العلم والحبّ والسلام، ورغبة في إدخال السعادة الى قلوبٍ ذبلت من ثقل اليأس! هذا الشعور القاتم ليس حصراً على طرابلس فقط انما ينسحب الى كل العائلات اللبنانية التي إن حالفها "الجَيب" هذا العام لتأمين "لمّة" العائلة، ستجلس على طاولة الذكريات تستذكر الزمن الجميل حيث كانت الحياة رغم مصاعبها أسهل والظروف حتماً أفضل!
وبعيدا عن كل العناوين التي تصدّرت صفحات الصحف والمواقع الالكترونية والشاشات المحلية والقنوات الفضائية للحديث عن مهرجان “Acua” - في معرض رشيد كرامي الدولي- الذي أسدل الستار أمس على احتفالاته التي استمرّت منذ السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري حتى عشية عيد الميلاد أمس، بدت لافتة جداً الاعداد الاستثنائية التي توافدت من كل الشمال للمشاركة في "كارناڤال" الاعياد.
قد يرى البعض في كلمة "كارناڤال" مبالغة نسبةً الى المظاهر غير الباذخة التي طبعت الاحتفالات، غير أن ما شاهدتُه في عيون الاطفال من بريقٍ كاد يضيء سماء المدينة الغارقة في الظلم والظلام يدفعني الى وصف المبادرة "بزفير الأمل" بعد أن كان الطرابلسيون يحبسون أنفاسهم قهراً وعجزاً وانكساراً أمام شعور اللا حيلة تجاه أولادهم، صغاراً كانوا ام كبارا، فالفرح بات سلعة مكدّسة على الرفوف يرتفع سعره مع كل هجمة شرسة للدولار حتى أصبح ايضا من الكماليات!
استطاعت “Acua” بلا شك، الانتصار على مرارة الحزن والأسى ومنحت الضحكة مجاناً للعائلات الطرابلسية التي استقرّ الهمّ في عروقها منذ بداية الأزمة اللبنانية التي شحنت معها مصائب لم تكن يوماً في الحسبان، ولعلّ
بضع فرحٍ كان رسالة الميلاد الأسمى لهذا العام.. نعم هذا الفرح لم يغادر لكنّه يختبىء قليلاً من ضجيج "الزّعل"، هذا الفرح سيرتاح حتماً ويعود "اقوى"!