لا شك أن توصيف "رئيس التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل للمشهد السياسي والوضع الاقتصادي وعمل المؤسسات يحمل الكثير من الواقعية والصحة، لكن المشكلة أنه أتى من شخصية سياسية ليست محل ثقة قسم كبير من القوى السياسية التي ترى في باسيل رجل "التسويات والاتفاقات" من أجل المكتسبات.
لم يحمل المؤتمر الصحافي لنائب البترون أي جديد يمكن البناء عليه، باستثناء تأكيده أنه لم يعد من مبرر لعدم القيام بزيارة رسمية وعلنية الى سوريا التي يمكن أن تساعد على الحل في لبنان وتشكل قوة دفع باتجاه الدولة المدنية، وان كانت هذه المواقف قد لا تلقى الصدى السوري المنشود عند باسيل لاقتناع المسؤولين السوريين ان رئيس التيار العوني يحاول اللعب على بعض التباينات بين النظام السوري ومكونات في 8 آذار لكنه لن يستفيد، فتحديد المواعيد السورية له توقيته ايضاً.
أما في ماخص الملفات الأخرى المتصلة بالنظام السياسي و العلاقة مع حزب الله ورئيس المجلس النيابي والإصلاحات الاقتصادية وقطاع الكهرباء فهي مسائل لطالما احتلت حيزاً كبيراً من إطلالات رئيس تكتل لبنان القوي لا سيما في السنوات الثلاث الماضية من دون أن تحمل قراءته حلولا للمشاكل المستعصية. لكن المفارقة أن باسيل رفع أمس وتيرة التهويل في وجه حزب الله حيث ظهر هجومه على الحزب بطريقة اكثر قساوة ونفور من ذي قبل، فهو قال للحزب بالفم الملآن لا يمكنك أن تحصل على الأكثرية النيابية من دوني. لكن وفق مصادر الثنائي الشيعي لـ" لبنان24" لا يستطيع رئيس لبنان القوي تخيير الحزب بينه وبين الرئيس بري، فهو يعرف تماما حرص الحزب على العلاقة الراسخة مع حركة أمل والتي لا يمكن لأحد أن يزحزحها مهما كانت مكانته، مع اعتبار المصادر نفسها أن تعمد باسيل التصويب على جدلية العلاقة بين المقاومة والدولة واتهام الثنائي الشيعي بأزمة البلد ليس إلا محطة إضافية في سياق النزاع السياسي الكبير ولعله يحاول اليوم عشية الانتخابات النيابية شد العصب المسيحي، خاصة وأنه على دراية بعمق الأزمة الاقتصادية والمالية ومسبباتها وإلى أي حقبة تعود ولماذا جرى تجاهلها في السنوات الثلاث التي تلت الانتخابات الرئاسية.
وإلى حين أن يقرر حزب الله الخروج عن صمته، فمصادر تدور في فلكه لم تكتف بالقول إن باسيل أطاح بإعلان النيات بعدما انتفت مصلحته مع حزب القوات وانقلب على رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري بعدما حقق ما يريد تحقيقه على المستوى المالي والسياسي، انما تعمدت تذكير باسيل بأن التيار الوطني ذهب إلى تفاهم مار مخايل بعد أن لفظه فريق 14 اذار في العام 2005 ولأن الظرف الموضوعي فرض عليه هذا الخيار، وبالتالي ليس غريبا أن يصل التشدد العوني إلى هذا الحد، طالما ان مصلحة باسيل مسيحيا على وجه الخصوص تفرض عليه انتقاد حزب الله بالمباشر وفي الإعلام وخارج الغرف المغلقة والتصويب عليه.
إن مجاهرة باسيل برفض اتفاق الطائف والمناداة باللامركزية المالية ليس مستهجنا، لكن مواقفه المعطوفة على مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاسبوع الماضي، تعني وفق المصادر أن هناك أزمة نظام سياسي وأزمة تعيشها الأحزاب التي تمثل الطوائف في لبنان، وباسيل يقاتل سياسيا وطائفيا، ليجلس الى طوار الحوار التي ستبحث في أزمة النظام إذا لم ينجح في سحب الوعد الصادق لرئاسة الجمهورية.
من وجهة نظر باسيل، فإن بري يشكل الخاصرة الرخوة لأن الهجوم عليه سياسيا واتهامه بتعطيل الاصلاح يساعده في استقطاب الجمهور المسيحي. في حين أن رد حركة امل اليوم على النائب باسيل عبر المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل سيكون وفق مصادر التحرير والتنمية، ردا موازيا وتفنيدا تفصيليا لكل التهم والافتراءات التي وجهت للرئيس بري بالاداء السياسي والبرلماني والتقني المتصل بالكهرباء، مع تأكيد المصادر لـ"لبان24" إن الرد على الهجوم العوني المنظم لن يقتصر على إطلالة خليل، انما ضمن مسار طويل يبدأ بتصويب الوقائع وتوجيه البوصلة ولا ينتهي بالعريضة النيابية التي ستحمل توقيع الغالبية النيابية في البرلمان لفتح دورة استثنائية، خاصة وأن الأمور خرجت عن حدها وتجاوزت المسموح به سياسيا ودستوريا وقد تخرج عن السيطرة إذا استمر هذا التعاطي الذي يحمل الطابع الطائفي والكيدية السياسية لحسابات انتخابية نيابية.
وتؤكد المصادر أن التحالف بين الحركة والحزب عصي عن الشطب او الكسر ومحاولة باسيل حشر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بتخييره بين التيار الوطني الحر أو الحركة، سوف يرد عليها السيد اليوم بما معناه إن العلاقة مع حركة أمل هي علاقة تكامل وجودي انطلاقا من اهمية وحدة الشيعة ووحدة الوطن.