بالمباشر ومن دون لف ودوران يعلم الجميع المخاوف الكبيرة والأسئلة الكثيرة التي تدور في أروقة حاضرة الفاتيكان عند الحديث عن لبنان.
ولا يمكن لأي أحد ان يشك بالمحبة الكبيرة والعطف الأبويّ الذي غالبا ما يظهره البابا فرنسيس تجاه لبنان وشعبه، اذ عبّر مرارا عن الرغبة في زيارة لبنان ولكن حتى الساعة لم يحن موعد هذه الزيارة ولم تكتمل العناصر المؤدية لها على الرغم من الالام الكثيرة والأوجاع الثقيلة التي أصابت اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا.
وفي الواقع يخاف الفاتيكان من تكرار التجربتين السورية والعراقية في لبنان، اي يمكن القول ان الهواجس تتمحور حول نقطتين أساسيتين هما الهجرة وفاعلية الوجود.
وفي هذا الاطار قد تكون المقارنة غير دقيقة بين تجارب المسيحيين في سوريا والعراق وتجربتهم في لبنان، ففي بلد الطوائف المتعددة وحتى الساعة اقله لم نسمع اي طرف فاعل يتحدث عن المسيحيين بوصفهم أقليات، لا بل يمكن القول ان المسيحيين أنفسهم في لبنان لا يعتبرون هذا المصطلح معبرا عن واقعهم على عكس مسيحيي العراق وسوريا.
اضف الى ذلك، طبيعة الحضور المسيحي في لبنان الذي لم يتقهقر مع الزمن ولم يخف وهجه على الرغم من التغيّر الديموغرافي الكبير الذي شهدته البلاد.
وهنا قد يختلف البعض مع هذا التوصيف، لذلك نؤكد اننا نورده دائما في اطار المقارنة مع الحضور المسيحي في سوريا والعراق الذي يبدو ومع الأسف باهتا وضعيفا ومشتتا.
اذا وفي رسالة طمأنة الى الفا
تيكان، لا بد من الاشارة الى ان لبنان لن يفرغ من مسيحييه ولن يتزعزع وجودهم فيه وذلك ليس بفعل قوتهم وحضورهم وحدهم انما بفعل تمسك الآخر بهم وبميزاتهم وبقدرتهم على خلق مؤسسات ترعى العمل العام بحرفية وانتظام.
فصحيح أن بعض أصوات النشاذ تعلو من فترة الى اخرى لكن صوت" السيمفونية" اللبنانية سينتصر في النهاية وهذا ليس بشعر أو نثر مجمّل، انما حقيقة يمكن التماسها في صميم كل مواطن لبناني بغض النظر عن حزبه وطائفته وتياره.
واذا استعرضنا الاهتمام الفاتيكاني في لبنان خلال هذه المرحلة بالذات لن نتمكن من توصيفه كاملا او من الاحاطة به بصورة شاملة اذ ان الجميع يدرك ان دبلوماسية الفاتيكان تعمل بصمت تام وبنعومة لا مثيل لها، لكن ما يمكن ملاحظته هو رغبة الفاتيكان في الاستماع الى هموم اللبنانيين ومشاكلهم وهذا ما ادى الى اللقاء الذي جمع رؤساء الكنائس في لبنان بالبابا فرنسيس في الفاتيكان قبل اشهر قليلة.
وعلى هذا المنوال سنشهد في مطلع الشهر المقبل زيارة لوزير خارجية الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد الى لبنان يتبعها انعقاد مؤتمر بعنوان "البابا يوحنّا بولس الثاني ولبنان الرسالة"، في احتفاليّة يلتقي خلالها العديد من الخبراء والعلماء ورجال الدين لمناقشة أهميّة لبنان المتعدّد الأوجه في منطقة الشرق الأوسط المتنوّعة وذلك في جامعة الروح القدس في الكسليك.
وهنا تكثر التحليلات وتتعدد الآراء حول هذه المؤتمرات وفعاليتها ومدى الانتاجية التي من الممكن ان تقدمها امام حالة الضياع والارباك الذي يعيشها المواطن اللبناني يوميا وأمام التعرض اليومي لكرامته من خلال عدم قدرته في الحصول على ادنى حقوقه.
لكل ذلك واختصارا للطريق ولمعاناة اللبناني، ننادي الفاتيكان ومعه اي دولة أخرى تعبر دائما عن صداقتها للبنان، مؤكدين ان ما يريده اللبناني فعلا هو ان يدرك العالم ودوله ان بعض الأمور أكبر من قدرته على المواجهة وأكثر تعقيدا من امكانيته على تغييرها، لذلك تبدو محاولة افقاره وتجويعه وتفكيك مؤسساته بهدف الضغط على حزب ما او طرف ما غير نافعة ، وتجربة السنتين الأخيرتين دليل واضح على هذا الكلام.
وما يريده المسيحي حقا في ظل هذه الأزمة المعيشية الصعبة هو ان تعانق كنائس الفاتيكان قبب بكركي ومعها كل معلم ديني في لبنان، فيتحدون على خلق سبل الحياة ومقوماتها بوضوح وشفافية ودونما اي تمييز، فصحيح ان الكنيسة ليست مؤسسة اجتماعية لكن السيد المسيح وعند الحاجة أطعم الجياع سمكا.