تشير المعلومات المتداولة والمستندة إلى تقارير ديبلوماسية غربية وعربية إلى أن لبنان غائب عن طاولة إهتمامات الكبار، وبالأخصّ على طاولة المفاوضات الجارية في فيينا بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، أو أي طاولة أخرى.
وفي رأي البعض أن ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من خلال محاولاته المتلاحقة، لن يتكرّر بإعتبار أن الفرص التي أعطيت للمسؤولين اللبنانيين في محاولة لإخراج البلاد من أزماتها الإقتصادية والمالية لن تسنح لهم مرّة جديدة، إلا في حال إقتنع هؤلاء المسؤولون بأن لا سبيل للإنقاذ سوى بوضع قطار الإصلاحات المالية والإقتصادية والإدارية على سكته السليمة، سواء تلك التي تضمنّتها الورقة الفرنسية، أو تلك التي يشترطها صندوق النقد الدولي، كمقدمة لازمة للبدء في البحث الجدّي عن أفضل الطرق لمساعدة لبنان الغارق حتى أذنيه في بحر من المشاكل الكثيرة والمتراكمة.
حتى أن الدول العربية، التي يعتبرها لبنان شقيقة، وهي التي وقفت دائمًا إلى جانبه في أزماته المتعددة، لا تكترث كثيرًا بما يعانيه اليوم، وهي رسمت في "الورقة الكويتية" خارطة طريق لإستعادة اللبنانيين مكانتهم داخل الأسرة العربية، وبالأخصّ الخليجية.
وعلى رغم الكلام المطمئن الذي سمعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من المسؤولين الدوليين والعرب الذين إلتقاهم في ميونيخ، فإن المجتمع الدولي ينتظر من لبنان، وبالأخصّ الطبقة السياسية المسؤولة مباشرة عن تدهور الوضع الإقتصادي، الكثير من الخطوات العملية لتطبيق الشروط الدولية الإصلاحية.
ومن بين الرسائل التطمينية، على قلّتها، ما سيحمله وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان في زيارته المقبلة للبنان، خصوصًا أنه كان من أوائل المسؤولين الدوليين الذين خاطبوا اللبنانيين بلغة مباشرة، وصارحهم بالحقائق التي لم تلقَ الصدى الطيّب لدى أغلبية الطبقة السياسية، التي إستمرّت تكابر وتعاند حتى أصبح ما كان ممكنًا، يوم قال لهم لودريان إن لم تساعدوا أنفسكم لن يساعدكم أحد، متعذّرًا اليوم على أكثر من صعيد.
الباب شبه الوحيد الذي لا يزال مفتوحًا أمام اللبنانيين "نص فتحة" هو المفاوضات المباشرة مع صندوق النقد الدولي من جهة، والمفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، برعاية أميركية، لترسيم الحدود البحرية من جهة أخرى، مع ما تشهده تلك المفاوضات من عملية شدّ حبال، خصوصًا أن مجال الخيارات المتاحة أمام لبنان بات ضيقًا ولا يسمح بكثير من المناورة.
ويترافق كل ذلك مع ما تشهده أجواء الجنوب اللبناني من "عرض عضلات" المسيّرات بين "حزب الله" وإسرائيل، في رسائل متبادلة وصل هديرها إلى مسامع المجتمعين في فيينا، الذين قد يصبحون، وكل على طريقته، معنيين بما يجري في الجنوب اللبناني وفي الشمال الإسرائيلي، في ضوء ما أعلنه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في إطلالته الإعلامية الأخيرة عن تطوير الصواريخ الدقيقة وتصنيع المسيّرات في لبنان، فضلًا عن تلميحه، ولو عرضًا، إلى إمكانية إجتياح الحزب لمنطقة الجليل الأعلى، وهذا ما يزيد من نسبة القلق لدى كل من إيران التي لا تخفي عداءها لإسرائيل، والولايات المتحدة الأميركية التي تحاول بشتى الطرق الحدّ من تعاظم قوة "حزب الله" بعدما أصبح رقمًا صعبًا في المعادلة الإقليمية على أثر إنخراطه في الحرب السورية وتأييده العلني للحوثيين في اليمن.
وفي إعتقاد بعض الأوساط الديبلوماسية أن هذا القلق المشترك والمختلف المضامين والرؤية، في آن، لدى كل من واشنطن وطهران على ما يجري على بعد أميال من فيينا سيقود المجتمعين إلى إدراج هذا الحدث المستجدّ بخلفياته الإقليمية إلى طاولة محادثات الإتفاق النووي من زاوية ما يمكن أن يشكّله من تهديد للإستقرار العام في المنطقة.