لو لم تكن لما كنا. تأتي أولًا، ومن بعدها كل شيء ثانوي. هي الأرض. هي الوطن. هي الحنين. هي الحب. هي كل هذا معًا.
عيدها يوم في السنة. يتزامن مع بدء أجمل الفصول. معها تتفتح البراعم. معها تبدأ الحياة، ويعود الدفء إلى الأرض، وتعود الطيور إلى أعشاشها.
أمّا أعيادنا بالنسبة إليها فهي في كل يوم. يكفيها أن ترى أولادها حولها. هم محور حياتها. تعطي ولا تنتظر أن تُعطى.
هي الأم، وقد قيل فيها وعنها الكثير الكثير، شعرًا ونثرًا، بالفصحى والعامية. الأمّ هي هي في كل زمان ومكان. هي التي تسهر حتى طلوع الفجر تنتظر اولادها حتى يعودوا من سهر الليالي. لا تنام قبل أن ينام كل من في البيت. لا تأوى إلى فراشها قبل أن تقوم بجولتها المسائية. لا تهدأ قبل أن تطمئن إلى أن فلذات أكبادها بخير.
تنهض قبل شروق الشمس. تحضّر ما يحتاج إليه الجميع في نهارهم. تحرص على أن تكون طلباتهم مؤمّنة، وعلى أن ينقصهم أي شيء. تعدّ الفطور، وتحضرّ "الزوادة". تذهب إلى عملها إذا كانت عاملة. تعمل بنشاط وضمير ومسؤولية. تعود إلى المنزل بعد يوم مضن ومتعب، مهدودة الحيل ومرهقة. تعدّ الطعام. ترتّب وتكنس وتزيل الغبائر. تدّرس الصغار. تستمع إلى هموم الكبار. تحرص على ألا ينقص زوجها أي شيء. تعدّ الطعام من جديد ليوم آخر. ولا تنام قبل أن يكون التعب قد هدّ جسمها. وهكذا دواليك.
فمهما قيل عن الأم وفيها يوم عيدها يبقى أقل مما تستحق، وهي التي تكرس 364 يومًا في السنة، وكل سنة، من اجل عيالها، وهي التي تحرم عن نفسها الكثير مما تشتهيه لتقدمه إلى فلذات أكبادها. من كان قبل: الأم أم التضحية، أم كلاهما كانا معًا وتلازما حتى أصبحتا عنوانًا لقصيدة الحياة، التي تُختصر بأول كلمة يتفوه بها كل طفل، وهي الكلمة الوحيدة التي ترافقه في كل مراحل حياته، وبالأخص عندما يتعرّض لموقف صعب، فتراه يردد لا شعوريًا: وينك يا أمي أو دخلك يا أمي، وبالتالي فإن الأم هي الوحيدة التي تعني حقيقة ما تقول عندما ترى أحد أبنائها مريضًا، فتطلب من الله، ومن كل قلبها، وتردّد من دون تردّد: يا ريتني أنا يا رجوتي ولا أنت.
هي وحدها المستعدة لتضحي بنفسها لتفتدي أولادها، وهي الوحيدة التي تعطي من دون حساب ولا تنتظر مبادلة العطاء بعطاء آخر، لأنها تعطي من قلبها ومجانًا، إذ لا مقياس لهذا العطاء، الذي يوازي كل العطاءات في هذا الكون الفسيح. أعجبني ما كتبه أحد الزملاء على صفته "الفايسبوكية"، وكان لكلامه وقع خاص على قلبي. كتب: يوم أخبروني أن والدتي قد توفيت هرعت إلى المنزل لأسألها ماذا عليّ أن أفعل.
فكلمة "يا أميّ" تختصر بمعانيها أجمل كلمة نردّدها في كل حين. هي ترافقنا في كل خطواتنا، حتى ولو لم تكن قريبة منا. وعندما نستنجد بها نعرف أنها ستلبي النداء، وستهبّ مسرعة.
إلى كل أمّ في عيدها، إلى كل مناضلة، إلى كل أم شهيد، إلى أمهاتنا المنتقلات إلى المكان الأجمل المعدّ لهنّ من قبل إنشاء العالم، ألف قبلة وتحية.