جرت العادة أنّ تتشكل حكومة ما بعد الانتخابات النيابيّة على أساس التمثيل النيابيّ الجديد لكلّ كتلة في مجلس النواب. كذلك، اعتادت البلاد منذ العام 2005، أنّ تكون أغلبيّة الحكومات "وحدة وطنيّة"، جامعة لكلّ الاحزاب. ومع غياب تيّار "المستقبل"، وكلّ الحديث عن توجّه "حزب الله" وحلفائه لحسم الاكثريّة النيابيّة من جهة، واشتداد المعارضة (القوات، الكتائب، المجتمع المدنيّ، مرشّحون مستقلون...) بوجه "الحزب" و"العهد" من جهة ثانيّة، هل تتشكل حكومة جامعة، أم تحكم الاكثريّة، على أنّ تلعب المعارضة دورها البناء في البرلمان؟
وتجدر الاشارة، إلى أنّه بعد "ثورة 17 تشرين"، وما رافقها من إنهيار إقتصادي في لبنان، شُكّلت حكومات تكنو –سياسيّة، على الرغم من مطالبة المحتجين في الشارع بحكومات تكنوقراط، من إختصاصيين، تُبعد التجاذبات والتدخّلات السياسيّة عن عمل الوزارات، وتنكب فقط للعمل الانمائيّ والاقتصاديّ. فهل هذا الطرح واردٌ؟ يقول مراقبون إنّ بعد إكتمال مشهديّة الانتخابات، يكون المقترعون اختاروا نوابهم في مجلس النواب، وبالتالي، تكون الكتل النيابيّة تشكّلت، وبرزت بوضوح أحجام الاحزاب. وبالتالي، فإنّ بطبيعة الحال، أنّ يتّفق رؤساء الكتل سلفاً على قيام حكومة جامعة، تُمثّل كافة الاحزاب بحسب حجمها في البرلمان. ويُضيفون أنّه إنّ فشل المجتمع المدنيّ بإيصال كتلة وازنة إلى مجلس النواب، وهو أمرٌ شبه مؤكّد حاليّاً، وخصوصاً بعد إعلانه عن العديد من اللوائح الانتخابيّة في الدوائر عينها، وعدم إتّفاق مكوّناته في ما بينهم على المشروع السياسيّ والاقتصاديّ، فكيف المطالبة بحكومة تكنوقراط أو تكنو – سياسيّة تُلغي أحجام الاحزاب في مجلس النواب؟
توازيّاً، من الصعب جدّاً أنّ ينحاز الفرقاء لمطالب المجتمع المدنيّ. ففرصة الاخير سانحة في صناديق الاقتراع، في 15 آيار. فإمّا يُحقّق خرقاً ملموساً، على أساسه يفرض شروط شكل الحكومة، وإمّا يشارك في حكومة وحدة وطنيّة جامعة أو عدمه، وذلك بحسب حجمه في مجلس النواب. ويُشدّد مراقبون على أنّه في بلد مثل لبنان، مُقسّم لأحزاب طائفيّة، اعتادت على تقاسم الوزارات، يبقى خيار حكومة الوحدة الوطنيّة هو الذي يتقدّم على غيره من الطروحات. ولن تستطيع قوى التغيير بعد الان فرض شروطها على شكل الحكومة، وخصوصاً إذا فشلت في الانتخابات.
في الاطار عينه، يُشير مراقبون إلى أنّ "حزب الله" يُفضّل الحكومة الجامعة، يكون فيها مع حلفائه المسيطرين على عدد وزرائها، وذلك وفق الترجيحات أنّه سيفوز للمرّة الثانية بأكثريّة النواب. ويوضح المراقبون أنّ همّ "الحزب" الاساسيّ تمثيل كافة الطوائف بحسب أحجامها وتنوّعها في مجلس النواب، كيّ لا تتّجه الامور لتصعيدٍ سياسيّ في الشارع. ويُتابع المراقبون أنّ "الحزب" يولي أهميّة كبيرة للاستقرار. ورغم عزوف الحريري سياسيّاً، يُؤيّد تمثيل السنّة في الحكومة، ولم يتدخل علنيّة في المعركة الانتخابيّة في الشارع السنّي، إذ أنّه لم يُرشّح أحداً في بيروت الثانيّة والشمال الاولى والثانيّة، وترك خيار الترشيح لحلفائه، على أنّ يدعمهم بالاصوات حيث يستطيع.
بالاضافة إلى ذلك، كان خيار السيّد نصرالله حكومة الوحدة الوطنيّة، حتّى بعد "17 تشرين"، لكنّه لم يعارض قيام حكومة تكنو – سياسيّة، ولا ترؤس الحريري مجلس الوزراء. وأيضاً، الجدير بالذكر أنّ "حزب الله"، ورغم عدم تسميته للحريري في أيّ من المشاورات النيابيّة الملزمة، إلا أنّه كان يُفضّله على ترؤس حكومات الوحدة الوطنيّة، لانّه الممثل الاكبر للشارع السنّي، ويهمّه الابقاء على الاستقرار وعدم إنجرار البلاد لايّ تصعيدٍ أمنيّ. في السياق، طالب نصرالله مرارا بالحكومة الجامعة، وبشكل خاص لاتخاذ القرار الموّحد بين مختلف الاحزاب، في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومعالجة المشاكل الاقتصاديّة والماليّة والنقديّة والمعيشيّة التي تُهدّد البلاد. فهكذا قرارات بحاجة بحسب مراقبين لمواقف حاسمة من قبل زعماء الاحزاب. ويُذكّرون أنّه فيما كان الحريري يعمل على تشكيل حكومته الاخيرة قبل اعتذاره، من 18 نائباً، كان "حزب الله" يتمنى أنّ تكون من 24 وزيراً، لتمثيل كافة المكوّنات في مجلس الوزراء.
كذلك، خرج رئيس "التيّار الوطنيّ الحرّ"، النائب جبران باسيل قبل أيّام، ليقول إنّ "واقعنا الميثاقيّ والدستوريّ يفرض علينا حكومات تمثّل الاكثريات الطائفيّة، وبالتالي، حكومات تعكس المجلس النيابي، ولذلك ندعو إلى تنوّع داخل كلّ طائفة حتى لا تُقصي حكومات الاكثريّة والاقليّة أيّاً من الطوائف". وهذا إعلان صريح بحسب مراقبين، عن رغبة باسيل، كما "حزب الله" بحكومة وحدة وطنيّة تنبثق من نتائج الانتخابات المقبلة. ويُضيفون أنّه ورغم الترجيحات بتراجع "الوطنيّ الحرّ" نيابيّاً، فإنّه مرتاح بتأمينه كتلة جيّدة، والاكثريّة النيابيّة إلى جانب حلفائه. وقد كان لقاء رئيسه مع الوزير السابق سليمان فرنجيّة، برعاية نصرالله، نقطة أساسيّة لتقويّة تحالف 8 آذار، وعدم تأثير الخلافات بين مكوّناته على الانتخابات، والاستحقاقات المصيريّة التي ستليها.
في المقابل، يرى مراقبون أنّ اللبنانيين هم الخاسرون من تشكيل حكومة جامعة. فدور المعارضة كما الموالاة سيبقى مهمّشاً في المجلس النيابيّ، على حساب الديمقراطيّة التوافقيّة. وستبقى الخلافات داخل أروقة مجلس الوزراء تحول دون التسريع في اتّخاذ القرارات المهمّة. وسيبقى منطق المحاصصة يسود كافة التعيينات، على حساب الافضليّة والكفاءة. من هنا، المطالبة على غرار الدول الاوروبيّة، أنّ تحكم الاكثريّة النيابيّة، وأنّ تلعب المعارضة دورها الفعّال في التشريع.