على بعد أيام من استحقاق 15 أيار استعرت الحملات الانتخابية وتزايدت حدة الخطاب الطائفي والمذهبي والعنصري. الأحزاب ومَنْ يدور في فلكها تتبارز على التحريض والتحشيد واثارة العصبيات بدل التنافس على برامج من شأنها أن ترسم معالم جديدة للواقع السياسي المهترئ.
ليست المرة الاولى التي تخاض الانتخابات النيابية بكل انواع السلاح التقليدية، من تذكير بمآسي الحرب الاهلية ومرتكبيها ومجرمي الحرب، الى خطر السلاح، مرورا بالحملات المنظمة ضد الفاسدين ومختلسي المال العام، لكن الاكيد ان كل القوى السياسية تعاني من أزمة امام جمهورها من جراء عجزها عن ايجاد الحلول للكارثة الاقتصادية والمالية التي حلت بالبلد وانعكست سوءا على الواقع الاجتماعي والمعيشي لللبنانيين بمختلف شرائحهم، ما دفع هذه الاحزاب الى ارتداء خطابها الطائفي الاصلي، وترك الازمة الاقتصادية في حالة يُتم لا احد يفكر بكيفية الحد من تداعياتها وارتداداتها الخطرة على المجتمع والدولة ككل.
ورغم ان الخطابات الطائفية غالبا ما تكون مدروسة ولا تتجاوز الخطوط الحمر، بيد انها في الاونة الاخيرة تكاد تخرج عن السيطرة، فالاشكالات الامنية ترافق رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في جولاته الانتخابية من عكار الى الجبل وتذكر بانفجار التأزم السياسي في العام 2019، على خلفية التوتر الذي خلفه كلامه من الكحالة في ذلك الحين والذي انتهى بسقوط قتلى وجرحى من مناصري الاشتراكي والديمقراطي.
ورغم ان حزب الله لا يحتاج كسواه من احزاب السلطة الى تنظيم حملته الانتخابية، بيد ان فئة معينة من خطابات مسؤوليه في الاونة الاخيرة خلقت هواجس عند فئات محددة باتت تعتبر ان المخاوف تتنامى من اداء الحزب وان لا امكانية للتعايش مع سلاحه، معوّلة على تغيير في المزاج المسيحي حتى عند العونيين.
لقد اختار حزب القوات عنوانا لحملته الانتخابية تمثل بالهجوم على حزب الله مع ما يستتبع ذلك من عدة الشغل المتصلة بتحميله مسؤولية مآسي الشرق الاوسط والفساد في الداخل والازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلد منذ تشرين الاول 2019 وصولا الى اتهامه باحتلال لبنان. فبات حزب الله، بالنسبة الى الحكيم، "خشبة الخلاص" لانقاذ الوضع القواتي المتأزم عشية الانتخابات والحصول على اكبر قدر ممكن من المقاعد النيابية. فالجمهور الطائفي لا يمكن مخاطبته الا طائفيا، علما ان حزب القوات خسر الصوت السنّي المستقبلي في الشمال وبيروت وزحلة والبقاع الشمالي وليس مرتاحا إلى وضعه الانتخابي اسوة بأحزاب اخرى على الجبهة المسيحية نفسها. فبالنسبة إلى التيار الوطني الحر، الامور ليست على ما يرام. فالتيار العوني يعد الايام التي تفصل عن 15 ايار. وشارعه بدوره يتململ من مواقف حزب الله وبعض مرشحيه والتي يعتبر العونيون انها لا تخدم معركتهم الانتخابية لاسيما في زحلة وجبيل والتي يغلب عليهما التنوع الطائفي والتعددية الفكرية والثقافية. فحتى الساعة يحاول مسؤولو التيار الوطني الحر لملمة ذيول كلام مرشح الحزب في زحلة رامي ابو حمدان الذي لم يراع خصوصية المدينة وخلق جدلا داخل الصفوف البرتقالية كان التيار الوطني الحر بغنى عنها.
في 16 ايار ، تنتهي حرب الجبهات الانتخابية، بيد ان الهواجس المستحكمة باللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا لن تتبدد. فالساحة المسيحية اعادت احياء طرح نظام الفيدرالية بعد احداث خلت في مغدوشة وعين الرمانة مع تأكيد بعض مرجعياتها على اهمية حصر السلاح بيد الجيش اللبناني والحياد الإيجابي، علما ان طرح اللامركزية الادارية والمالية من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اثار حفيظة حزب الله وخلق انقساما مسيحيا – اسلاميا، في حين ان هذا الطرح بالنسبة الى بعبدا وميرنا الشالوحي يعطي الجماعات نوعاً من الامان والطمأنينة مع ازدياد التباينات الثقافية والاجتماعية بين الطوائف ويحقق الانماء المتوازن.
في ظل هذا المشهد الذي يشهد تسويقا لأفكار تقسيمية، فإن حسابات حزب الله تنطلق من ان التعايش بين اللبنانيين والتوافق يبقى قيدا ضابطا للانقسام السياسي الداخلي، بحسب المقربين منه. فهو يحاول افهام جمهوره ومناصريه ان لبنان يتمتع بخصوصية مذهبية وطائفية يجب ان تؤخد بعين الاعتبار، علما ان هذه الخصوصية تقيد خياراته فلا يستطيع ان يمضي بالاصلاح الداخلي الى النهاية لان الاصلاح يحتاج الى شركاء من الطوائف كافة والى تفاهمات وتسويات ولا يفرض فرضا وهذه هي نقطة الضعف، فليس هناك من فهم واحد بين المكونات اللبنانية لمستلزمات الاصلاح الداخلي حتى في حدود ما يمليه الطائف.
وسط ما تقدم، الم يحن الاوان لاجراء الاحزاب السياسية كافة ،ومن ضمنها حزب الله، مراجعة لسياستها الداخلية تسمح بتحقيق تغييرات جوهرية، فالمشهد الراهن قد يدفع الى تضييع البوصلة في ظل الانقسام الداخلي العامودي والتحولات الخارجية.