يوم تحالف رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" الوزير السابق وليد جنبلاط مع "القوات اللبنانية" في إنتخابات الجبل كان صريحًا وحريصًا على أن يبقى هذا التحالف محصورًا في إطاره الإنتخابي البحت، إضافة إلى ظرفية تنسيق المواقف في القضايا المجلسية على "القطعة"، ووفق ما تقتضيه المصلحة والظروف.
عندما تحالفت "القوات اللبنانية" مع جنبلاط في الجبل لم تكن تتوهمّ أنها ستصل معه إلى تحالف سياسي في المطلق. فهي تعرف خصوصية الجبل، وتقدّر حجم الضغوطات التي يتعرّض لها، وتدرك أن أولوية الأولويات بالنسبة إلى "زعيم المختارة" هي الحفاظ على أمن الجبل، وبالتحديد أمن بيئته وخصوصيتها وحيثياتها.
قد يلتقي وليد جنبلاط مع "القوات" إذا كان هذا التقارب يخدم هدفه الأساسي.
وقد يتقرّب من "التيار الوطني الحر" إذا رأى أن ذلك لا يتعارض مع مصلحة الدروز في الجبل وفي غيره.
قد يساير "حزب الله" في مسائل لها علاقة بـ"حفظ النوع"، وهو معه في مقاومة العدو والدفاع عن أرض الوطن.
هو على تحالف أساسي وإستراتيجي مع الرئيس نبيه بري.
يؤيد "وسطية" الرئيس نجيب ميقاتي ومعجب بطريقة إدارته للأزمات، على رغم أنه لم يستطع أن يقنع تيمور في تسميته في الإستشارات النيابية الملزمة.
لا يتوافق كثيرًا مع رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية في خطّه السياسي الخارجي، ولكنه لا ينكر ما للرجل من مواقف وطنية.
أمّا بالنسبة إلى علاقة جنبلاط ببكركي فهي أكثر متانة من أي علاقة أخرى، حتى منذ ما قبل مصالحة الجبل مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، على رغم موقفه الأخير من قضية المطران موسى الحاج.
أن تكون علاقة "الزعيم الدرزي" مع مختلف الأفرقاء السياسيين فيها "طلعات" و"نزلات" فهذا من "عدّة" الشغل السياسي، ولكن أن تكون علاقته ببكركي على مقياس "ريختر" الزلزالي فهذا ما لم يفهمه مقربون من الصرح البطريركي، خصوصًا أنهم يعتبرون هذه العلاقة، كما غيرها من العلاقات، عابرة للإعتبارات السياسية الظرفية. فما يجمع بين بكركي وجنبلاط وغيره من الأفرقاء السياسيين هو المصلحة الوطنية الجامعة بعيدًا عن التفاصيل والزواريب السياسية والحرتقات المصلحية.
وتوقّف هؤلاء عند المواقف التي أطلقها جنبلاط مؤخرًا، بدءًا من قضية التعرّض للمطران الحاج وبكركي، مروراً بالانفتاح على "العهد وتيّاره" ومواصفات المرشّح لرئاسة الجمهورية وبرنامجه، ووصولاً إلى رفضه وصف القاضي عقيقي بـ"الخائن".
من يقرأ جيدًا في السياسة ومتغيراتها لا تخفى عليه أن جنبلاط يحاول إعادة تموضعه السياسي عشية الاستحقاق الأهم وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالتزامن مع ترسيم الحدود البحرية، وفي غمرة التحولات في الشرق الأوسط بين حوار وصراع. وهذا لا يعني فك إرتباطه العضوي من حيث المسار السيادي مع بكركي و"القوات"، ولكنه يحاول بذلك أن يقول للجميع إنه لا يزال يشكّل "بيضة القبان" في أي إستحقاق، وبالأخص في الإستحقاق الرئاسي، حيث سيكون له موقف حاسم في القريب العاجل بعد أن تتبلور كافة المواقف.
ولا يُستبعد أن تكون مواقف جنبلاط الأخيرة توطئة لإعلان تأييده ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، على أن يسبق ذلك مروحة من الإتصالات السياسية لمعرفة التوجهات العامة، داخليًا وخارجيًا، وكيفية تأمين نصاب الثلثين لجلسة الإنتخاب حين يدعو الرئيس بري إليها.