بعد لقاء طال انتظاره الأسبوع الماضي مع رئيس الجمهورية ميشال عون، خرج رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ليبثّ جرعة أمل وتفاؤل، من خلال تعليق مقتضب إنّ وجهات النظر كانت "متقاربة" بين الجانبين، واعدًا بـ"تتمّة للحديث"، استبشر الكثيرون خيرًا بها، عساها تحمل "فرجًا" ينتظره كثيرون، تفاديًا لسيناريوهات "مجهولة" يكثر الحديث عنها عشيّة انتخابات رئاسية، يسلّم البعض سلفًا بأنّها لن تنجز في وقتها.
لكنّ "إيجابية" الرئيس المكلف التي رُصِدت بعد لقائه رئيس الجمهورية في بعبدا لم تترجَم عمليًا بعد ذلك، وفق ما يقول العارفون، إذ إنّ أيّ "تتمّة" لم تسجَّل حتى الآن، مع غياب أيّ معطيات توحي بحصول "تقدّم فعلي" يتيح انعقاد لقاء "حاسم"، فيما كان لافتًا أنّ بعض المحسوبين على "التيار الوطني الحر" استعادوا "نغمة" الهجوم على رئيس الحكومة والتصويب عليه، وهو ما أدّى إلى "التشويش" على الإيجابيات، على محدوديّتها.
وفيما يعتبر البعض أنّ "بصمات" الوزير السابق جبران باسيل حضرت على خط "الإطاحة" بإيجابيّة المساعي القائمة، بما يبرّر "انقلاب" الأجواء بهذا الشكل، تُطرَح علامات استفهام عن مآلات الحراك الحكوميّ المستجدّ، والسيناريوهات المفتوحة أمامه، فهل فشلت محاولات "إنعاش" تشكيل الحكومة، أم أنّ من يعرقلون التأليف، ويرفضون كلّ الحلول، سيستشعرون "خطورة" المضيّ بهذا المسار قبل فوات الأوان؟
الحكومة.. راوح مكانك؟!
صحيح أنّ هناك من حكم سلفًا على محاولات "الإنعاش" الحكومية سلبًا، باعتبار أنّ اللقاء الذي جرى بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي "فاجأ" الكثيرين، بعدما اعتقد كثيرون أنّ "القطيعة" بين الرجلين مستمرّة حتى نهاية العهد، نتيجة التسليم بأن "لا حكومة" ستتشكل ولا من يحزنون، خصوصًا بعد الخلاف "البروتوكولي" الذي وقع منذ طلب الرئيس نجيب ميقاتي موعدًا لزيارة قصر بعبدا منذ أسابيع، من دون أن يلقى ردًا.
لكنّ العارفين يؤكدون رغم ذلك أنّ "إيجابية حقيقية" رُصِدت على الخطّ الحكومي، وتجلّت خصوصًا خلال لقاء بعبدا، حيث ناقش الرئيسان مجموعة اقتراحات وصِيَغ، استندت بمجملها إلى المسودّة الحكومية التي قدّمها الرئيس ميقاتي منذ اليوم الأول لتكليفه، وصولاً إلى حدّ إعادة "تعويم" الحكومة، وحصولها على الثقة، وقد انتهت الجلسة كسابقاتها، على "تفاؤل بالخير"، ووعدٍ من الرئيس بدرس الأفكار وتقديم إجابته عليها.
وفي حين لا يزال رئيس الحكومة المكلف ينتظر هذه الإجابة، وفق ما يقول المتابعون، كان لافتًا أنّ الهجوم عليه من جانب بعض قيادات "الوطني الحر" تكرّر خلال عطلة نهاية الأسبوع عليه، مع إدخال بند "الدولار الجمركي" على "الأجندة"، في رسالة فُسّرت سلبًا في الأوساط السياسية، التي قال بعضها صراحةً إنّ الإيجابية التي أوحى بها لقاء بعبدا، أطاح بها الوزير السابق جبران باسيل، الذي أبلغ عون رفضه لكلّ الاقتراحات عن بكرة أبيها.
باسيل لا يريد حكومة؟!
ثمّة الكثير ممّا يُحكى عن "شروط" يفرضها باسيل، من خلف الرئيس ميشال عون، للمضيّ بملف تشكيل الحكومة، فهو يريد أن ينال "حصّة الأسد" في أيّ حكومة تشكَّل اليوم، باعتبار أنّ هذه الحكومة ستدير شؤون البلاد في حال وقوع الفراغ الرئاسي، وهو لذلك لن "يكتفي" بما هو متوافر له في حكومة تصريف الأعمال، ويطالب صراحةً بتوسيعها لتصبح ثلاثينية، الأمر الذي لا يوافق عليه الرئيس المكلّف للكثير من الأسباب والاعتبارات.
وإذا كان باسيل يحذر ليلاً نهارًا من الفراغ، ويلمح إلى عدم جواز أن تتولى حكومة تصريف أعمال مسؤولية قيادة البلاد، فإنّ أداءه وفق ما يقول العارفون، لا يوحي بـ"جدية" في تسهيل التسهيل، بل على العكس، بأنّه لا يريد تشكيل حكومة، لأنه لو أراد، لانفتح على كل الاقتراحات والصيغ المطروحة، ولوافق بالحدّ الأدنى على "تعويم" الحكومة الحالية، لتمرير الوقت ريثما يُنتخَب رئيس جديد، بدل افتعال المشاكل على وزير بالزائد أو بالناقص.
باختصار، يرى كثيرون أنّ باسيل "الممتعض" من الأجواء المحيطة بالاستحقاق الرئاسي، ومن مواقف الأصدقاء والخصوم على حدّ سواء، لا يريد تشكيل حكومة من الأساس، ولا سيما أنّه لا يزال يدرس "خياراته" الرئاسية، هو الذي يخشى البعض أن يكون عدم تشكيل حكومة "ورقة ضغط" يستخدمها من أجل "المساومة"، ولو أنّ الدستور واضح وصريح في أصول العمل، بعيدًا عن "فتاوى غبّ الطلب" التي يلوّح بها البعض، بلا وجه قانوني.
رغم "جدية" الحراك الحكومي الذي استجدّ الأسبوع الماضي، وقدرته على إنقاذ البلاد من سجالات ومهاترات لا طائل منها، وقد تسهم في "تعقيد" الأمور، ثمّة من لا يزال مقتنعًا أنّه كان لـ"رفع العتب" ليس إلا، فالجميع سلّم بأنّ أيّ حكومة لن تشكّل قبل الانتخابات الرئاسية، بل إنّ أيّ حكومة، ولو شُكّلت اليوم، لن تتمكّن من إنجاز البيان الوزاري والحصول على ثقته، قبل دخول البلاد "بازار" الرئاسة، الذي دخلته بشكل أو بآخر!