لا يتجه الواقع الاقليمي الى اي استقرار سياسي وامني سريع بالرغم من ان المسار التسووي هو الغالب على الواقع في المنطقة، ان كان على صعيد الاتفاق النووي او في القضايا الاقليمية، لكن الكباش وعض الاصابع سيبقى مستمرا حتى نضوج كافة الملفات وشعور جميع الاطراف ان وقت التنازل قد حان، وهذا ما سيشمل عندها الساحة اللبنانية.
يميل الواقع في لبنان نحو الانهيار الكامل في ظل زيادة احتمالات الفراغ الرئاسي وعدم تمكن القوى السياسية من التفاهم على خطة طريق انقاذية، اذ لا يزال طموح بعض الاطراف يركز على استخدام الانهيار وتحلل المؤسسات للحصول على مكاسب دستورية وسياسية.بمعنى اخر، تشعر بعض القوى السياسية ان اعادة تشكيل النظام السياسي تبدأ من الانهيار.
هذه النظرية السياسية البالغة الخطورة تقوم على فكرة مسيطرة في الاوساط النخبوية هي ان الازمة في لبنان هي ازمة نظام وعليه فإن كل ما يحصل من كوارث سياسية واقتصادية وغيرها تعود الى شكل النظام اللبناني الذي تم تكريسه بحلته الجديدة في الطائف، لكن تعديل النظام او تغييره في ظل الواقع الطائفي والسياسي له ممر إلزامي وحيد حاليا هو سقوط الهيكل بالكامل.
لقد بات هذا السيناريو مطروحا بشكل جدي في ظل تعذر تشكيل الحكومة بسبب الشروط التي وضعت من قبل "التيار الوطني الحر"، وهذا ما لا يتوافق مع رغبة دول كثيرة مهتمة بالشأن اللبناني، اذ ان الاجماع الوحيد من قبل غالبية الدول المتنافسة في لبنان وحوله هو على صون الاستقرار الداخلي.
مصالح متعددة ومتناقضة تجعل من كل الدول المتحاربة في الاقليم ترغب في الحفاظ على الاستقرار في لبنان ومنع الفوضى فيه، ففرنسا مثلا ترى ان الانهيار الكامل والفوضى الامنية والاجتماعية سيكون لها فوائد كبرى على خصوم باريس الاقليميين كما انها ستفتح الباب بشكل كبير امام تزايد موجات الهجرة التي ستشمل لبنانيين وسوريين وفلسطينيين من الشواطئ اللبنانية الى اوروبا .
لا تبدو واشنطن بعيدة عن هذا الجو، ليس لانها سلمت جزءا اساسيا من الملف اللبناني لباريس وملتزمة برؤيته فحسب، يل لانها تسعى الى الحد الاقصى من الهدوء والاستقرار في الشرق الاوسط، ومن يحاول التفاهم مع ايران لن يكون راغبا في اشعال جبهات اقل تأثيرا، وكل ذلك لكي تتفرغ للملفات الكبرى التي تشكل تحديات داهمة على الحضور العالمي الولايات المتحدة الاميركية.
حتى ان ايران و"حزب الله" المتهمين بأنهما المستفيدان من الانهيار، لا يرغبان في الفوضى، اذ انهما ينظران الى الساحة اللبنانية بإعتبارها ساحة صديقة ليس من الجيد الذهاب الى عدم الاستقرار فيها، لان الامر كفيل بإشغال الحزب وإلهائه الى حدود كبيرة.
تجمع القوى الاقليمية والدولية على ضرورة الحفاظ على الواقع الحالي في لبنان بأسوأ الاحوال، وهذا سيترجم في المرحلة المقبلة ضغوطا تمنع استمرار مرحلة الفراغ الرئاسي لفترة طويلة.