منذ سنوات قرر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط البقاء بعيدا عن اي اشتباك سياسي حقيقي وعملي، ورفض ان يكون رأس حربة في اي مواجهة او اشتباك مع القوى السياسية اللبنانية بالرغم من مواقفه الواضحة في بعض القضايا الاستراتيجية ومن بعض الاطراف الداخلية. حافظ جنبلاط على خطوطه العريضة في السياسة وعلى مواقفه الاعلامية لكنه بقي على مسافة واضحة من اي مغامرة غير محسوبة.
لعب جنبلاط في السنوات السابقة دورا في منع اي توتر سنّي-شيعي، وسعى الى دعم الرئيس سعد الحريري في لحظة تسميته من قبل "الثنائي الشيعي"، ولاحقا كان له دور كبير في معالجة تداعيات اشتباكات خلدة بين "حزب الله" وعرب خلدة، كما انه تجنب خوض معارك سياسية طاحنة ضد عهد الرئيس ميشال عون رغم مواقفه المعارضة له.
اليوم يعود الاصطفاف السياسي التقليدي بحدّة كبيرة، حتى انه يكاد يسحب اليه كتلة "نواب التغيير" التي تتجه لتكون ضمن فريق سياسي ونيابي واسع يعمل على فرض شروط ومواصفات لشخصية رئيس الجمهورية المقبل مستخدما سلاح التعطيل في المجلس النيابي.
بات معلوما ان نجاح هذا الاصطفاف وتحقيقه فاعلية سياسية يتطلب حشد اكبر عدد ممكن من النواب وتأمين القدرة على التعطيل، من هنا تخطى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع امس كل التمايزات مع الحزب التقدمي الاشتراكي في محاولة لاستمالته مجددا وجعله جزءاً من المواجهة ضد "حزب الله" وحلفائه.
لكن مصادر مطلعة اكدت ان ابتعاد الاشتراكي عن القوات في المرحلة الاخيرة ليس موقفا سلبيا من معراب وليس ردة فعل على خلاف ثنائي معها، بل ان التمايز الجنبلاط الاخير هو انعكاس لموقف المختارة السياسي العام ورغبتها بالاصطفاف بعيدا عن الخنادق الداخلية وحتى الاقليمية،وهذا يعني بأن الرسائل الايجابية من القوات لن تبدل خيارات الاشتراكي، لانها في الاصل ليست ضد القوات.
وترى المصادر ان الاشتراكي لن يكون عبر كتلته النيابي مساهما في تعطيل المجلس النيابي انسجاما مع موقفه القديم بهذا الشأن، كما انه لن يساهم في انتخاب رئيس "مستفز" كما ابلغ "حزب الله" في الاسابيع الماضية بالتوازي مع فتح صفحة جديدة معه، وعليه فإن الاشتراكي ليس حليفا جديدا لحزب الله ولن يكون مساهما في معاركه السياسية وفي الوقت نفسه لن يصطف الى جانب خصوم الحزب.
قد تكون التطورات السياسية الاقليمية والدولية هي التي ابعدت جنبلاط عن المغامرات والمواجهات في الداخل اللبناني، خصوصا انه يعيد تموضعه بشكل واضح ليصبح اقرب الى "حزب الله" منه الى خصومه، حتى ان البعض بدأ يشبه استدارة جنبلاط اليوم بإستدارته قبل الانسحاب السوري من لبنان، مع فارق ان الاستدارة يومها كانت على قاعدة التصعيد والمواجهة اما اليوم فهي على قاعدة الحياد والمهادنة.