صُودف أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي دعا إلى عقد أولى جلسات مناقشة الموازنة في 14 أيلول، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ40 لاستشهاد رئيس الجمهوريّة بشير الجميّل، ما دفع الكتل المسيحيّة إلى مقاطعة الجلسة، وما أدّى إلى عدم إكتمال النصاب. وقرأ متابعون للذي حصل يوم الأربعاء الماضي أنّه رسائل سياسيّة من أفرقاء من "المعارضة" لـ"الثنائيّ الشيعيّ"، إضافة إلى رسائل رئيس "التيّار الوطنيّ الحرّ" النائب جبران باسيل في موضوع إنتخابات رئاسة الجمهوريّة، وتأمين نصاب الثلثين، وخصوصاً بعدما أبدى برّي موافقته على إلغاء جلسة بعد الظهر.
صحيحٌ أنّ الكتل أعلنت عن ملاحظاتها بشأن الموازنة، إلّا أنّ الكثير من النواب يرون أنّ إقرارها أفضل من لا شيء. ويتوقف مراقبون أوّلاً عند قرار تكتّل "لبنان القويّ" بعدم حضور الجلسة الأولى، ويقولون إنّه بالتأكيد لا علاقة بخطوة نواب التكتل بذكرى إغتيال الرئيس الجميّل. فهم بالأساس لم يكونوا مدعووين إلى المهرجان، وكانوا محوّر الإنتقادات في كلمتي النائبين نديم وسامي الجميّل.
وفسّرت مصادر أخرى تغيّب نواب "الوطنيّ الحرّ" عن جلسة الأربعاء على أنّه إستثمارٌ سياسيّ مسيحيّ، وبشكل خاصّ بعد نتائج الإنتخابات النيابيّة التي أثبتت أنّ "التيّار" خسر شعبيّة وازنة في الشارع المسيحيّ، وأن الرئيس الشهيد بشير الجميّل يُوحّد أغلبيّة المسيحيين حول مشروعه، فأراد باسيل، بحسب المصادر، اللعب على العواطف المسيحيّة، علّ شعبيته ترتفع مُجدّداً. وتُذكّر المصادر أنّها ليست المرّة الأولى التي يدخل فيها نواب "لبنان القويّ" على خطّ الدفاع عن بشير الجميّل، فسبق على سبيل المثال أنّ دعموا النائب نديم الجميّل خلال سجاله الشهير مع نائب "حزب الله" السابق نواف الموسوي، الأمر الذي دفع بالرئيس نبيه برّي إلى شطب ما قيل وقتها في مجلس النواب، وتعليق نشاط الموسوي في "الحزب"، وإعتذار النائب محمد رعد عما صدر عن زميله في كتلة "الوفاء للمقاومة".
ويُشير مراقبون إلى أنّ باسيل قادرٌ على تضييع الفرصة على "حزب الله" ومنع وصول مرشّحه إلى رئاسة الجمهوريّة، وهذه رسالة مباشرة أراد توجيهها لقيادة "الحزب"، فأراد القول صراحة إنّه من دون أنّ يكون طرفاً في التفاوض مع الضاحيّة الجنوبيّة وحلفائها في موضوع الرئاسة، ومن دون أنّ يضع شروطه على المرشّح ومن دون أنّ يكون لاعباً أساسيّاً في التسويّة الجديدة، لن يرضى بتأمين النصاب لانتخاب رئيس الجمهوريّة.
أمّا من ناحيّة "المعارضة"، فقد وجّهت رسالتها الأولى إلى "حزب الله" من خلال التقارب القويّ بين "الكتائب" و"القوّات" الذي تمثّل بحضور نيابيّ قواتيّ وازن في إحتفال الأشرفيّة، بالإضافة إلى تواجد وجوه من قوى "التغيير" ونواب مستقلّين من السنّة. وكانت مشاركة السفير السعوديّ وليد البخاري لافتة، وقد رأى فيها مراقبون أنّ السعوديّة تؤيد وصول رئيسٍ شبيه ببشير الجميّل، ويحمل صفاته.
ويُضيف المراقبون أنّ المملكة تُعوّل على "المعارضة" لانتخاب هكذا رئيسٍ يُعيد لبنان إلى سكّة التعافي السياسيّ والإقتصاديّ، ويُعزّز العلاقات بين بيروت وعواصم الدول الخليجيّة والعربيّة. ويلفتون إلى أنّ السفير البخاري أتى أيضاً داعماً للمشهديّة التي وحّدت نواباً من "المعارضة". كذلك، كانت المناسبة للتأكيد على دور السعوديّة في الوقوف إلى جانب لبنان واللبنانيين.
في السيّاق عينه، ومن ناحيّة الخطاب الناريّ الذي أطلقه كلٌّ من النائبين نديم وسامي الجميّل، فقد كان كلامهما واضحاً في منع وصول أيّ مرشّح ينتمي إلى محوّر الممانعة، وهذا الموضوع أصبح راسخاً لدى شريحة كبيرة من نواب "المعارضة"، وفي مقدّمتهم النواب المسيحيون، في دلالة أمست واضحة على رفض أيّ تسويّة سيقودها "حزب الله"، وصولاً إلى تطيير النصاب وتعطيل جلسات الإنتخاب.
في المقابل، وعلى الرغم من تغيّب وجوه أساسيّة من "المعارضة" عن إحتفال ساحة ساسين، وعلى رأسها نواب "التقدميّ الإشتراكيّ" وسنّة "الإعتدال الوطنيّ" الذين مع "اللقاء الديمقراطيّ" حضروا جلسة الموازنة، تخشى أوساط "معارضة" أنّ ينجح "حزب الله" في إبرام تسويّة وتأمين النصاب لجلسة الإنتخاب. فمن المتوقّع أنّ يردّ "الحزب" على قداس معراب وذكرى 14 أيلول، بتكثيف إتّصالاته مع حلفائه والنائب السابق وليد جنبلاط.
في المحصّلة، يقول مراقبون إنّ ذكرى إستشهاد بشير الجميّل أتت لتُكمّل ما بدأه رئيس "القوّات" سمير جعجع في قداس معراب، عبر توحيد صفوف "المعارضة"، والسير بمرشّحٍ توافقيٍّ "سياديٍّ"، ورفض أي تسويّة قد يقودها "حزب الله"، كيّ لا تدخل البلاد في حكمٍ مشابهٍ لعهد الرئيس ميشال عون. وتختم أوساط معارضة قولها إنّ نجاح "حزب الله" سيعني أنّ لا إصلاحات، وسيذهب لبنان إلى عزلة دوليّة أكثر، وسيبقى منطق المحاصصة قائماً، وتشكيل الحكومات مُعلّقا... وإلى المزيد من الإنهيار في الأوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة.