على وقع استمرار الأزمات السياسية على أكثر من صعيد، رغم التفاؤل "الحَذِر" الذي طرأ في الساعات الماضية على مستويي اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، واحتمال تشكيل الحكومة في غضون أيام قليلة، تتّجه كلّ الأنظار إلى الاجتماع الذي تعقده دار الفتوى غدًا السبت، برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وتحت عنوان "تعزيز الوحدة السنيّة الإسلامية والوطنية".
ويكتسب هذا اللقاء أهمية استثنائية مضاعفة برأي كثيرين، فهو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة، الذي يجمع النواب السنّة خلف "مرجعية" دار الفتوى، التي تسعى للعب دور "جامع" على المستوى الوطني الأشمل، بمعزل عن الانتماءات السياسية، علمًا أنّ الغالبية العظمى من النواب ستلبّي الدعوة، في حين اقتصرت المقاطعة على عدد محدود، لأسباب "مبدئية"، وفق ما قالوا، ولو أنّ تفسيراتها بدت متفاوتة لحدّ بعيد.
إلا أنّ علامات استفهام تحيط باللقاء، الذي سيعقبه لقاء آخر في دارة السفير السعودي وليد البخاري، سيستثني خلافًا للقاء دار الفتوى النواب السنّة المتحالفين مع "حزب الله" أو المتناغمين معه في الموقف، فما الذي يتوقع أن يفضي إليه هذا اللقاء؟ وما هي الخطوط العريضة التي ستتصدّر اهتمام المجتمعين؟ وهل من "ترابط" بينه وبين حراك البخاري؟ وما صحّة الحديث عن تأسيسه لـ"استقطاب سنّي" جديد؟
صبغة "وطنية"
حُكي الكثير في الأيام الأخيرة عن "خلفيات" اجتماع دار الفتوى، حيث وضعه البعض في إطار "الاستقطاب الطائفي"، وهو التفسير الذي دفع المقاطعين، على قلّتهم، إلى عدم تلبية الدعوة، مع تأكيدهم كامل احترامهم لمرجعية دار الفتوى الدينية، فيما ربطه آخرون بالصراع السياسي، الذي قد يرتدي لبوسًا "طائفيًا"، مع نهاية الآخر، في ظلّ "المعركة على الصلاحيات"، بين رئاسةٍ قد يصيبها الفراغ، وحكومةٍ يفترض أن ترث دستوريًا الصلاحيات.
ومن ضمن ما حُكي أيضًا، ولو من دون الكثير من الضجّة، أنّ دار الفتوى تسعى من خلال اللقاء الموسّع للنواب السنّة، إلى "تعويض" غياب المرجعية السياسية الموحّدة، التي كان يمثّلها "تيار المستقبل" وفق أصحاب هذا الرأي، قبل أن "يعتكف" رئيسه سعد الحريري، ويعلن "اعتزاله" العمل السياسي، وهو ما تطلّب البحث عن "إطار جامع" آخر، لا بدّ منه عشية استحقاقات أساسية ومفصليّة، يخشى كثيرون أن تكون مصيرية أيضًا.
لكنّ المعنيّين باللقاء والمحسوبين على المنظمين ينفون كلّ هذه الأبعاد، ليؤكدوا أنّ "الصورة الجامعة" قد تكون أحد أهداف اللقاء، من باب "تعزيز الوحدة السنية"، كما جاء أساسًا في نصّ الدعوة، لكنّ الصبغة "الوطنية" التي يسعى إليها اللقاء هي الأهمّ، بعيدًا عن أيّ تأويلات أو استنتاجات خاطئة من هنا وهناك، لا تعبّر فعليًا عن الواقع، لأنّ ما يسعى إليه اللقاء ليس خلق تكتلات جديدة، بقدر ما هو التأكيد على الثوابت والمبادئ التي تتجاوز الطائفة.
ما المُنتظَر من اللقاء؟
من هنا، يتحدّث العارفون عن "عناوين وطنية" للقاء، بمُعزَل عمّا يُثار في الإعلام عن عناوين قد لا تكون "دقيقة" له، فاللقاء لن يخرج عن "العموميات" على الأرجح، إذ من غير المتوقع مثلاً أن يكون الهدف منه الوصول إلى موقف "موحّد" من الاستحقاق الرئاسي، بعيدًا عن وجوب إنجازه في موعده، لأنّ أحدًا لا يريد الإضرار بطبيعة النظام الديمقراطي، كما أنّ من غير الوارد أن يكون جميع النواب السنّة على ضفة سياسية واحدة.
لذلك، فإنّ المُنتظَر من اللقاء هو التأكيد على الثوابت "الجامعة" أصلاً لجميع النواب السنّة وغيرهم، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، التأكيد على "وحدة" المكوّن السنّي في مقاربة الملفات الكبرى، ومنها أهمية التمسّك باتفاق الطائف ومندرجاته، ورفض أيّ محاولات للعبث بالدستور في الظرف الحاليّ الذي يعيشه في لبنان، مع الالتزام بالاستحقاقات الدستورية كافة، وعدم اعتبار الفراغ "تحصيلاً حاصلاً" كما هو حاصل حاليًا.
ويقول العارفون إنّ اللقاء يمكن أن يؤكد أيضًا على أهمية "تحصين" موقع رئاسة الحكومة، وعلى الصلاحيات الممنوحة له بموجب الدستور، ورفض المسّ بها بأيّ شكل من الأشكال، خصوصًا في ضوء بعض الاجتهادات التي يتمّ رميها بين الفينة والأخرى، وهو سيدعو بطبيعة الحال إلى الإسراع في تشكيل حكومة مكتملة المواصفات في أقرب وقت ممكن، وكلّها نقاط لا يفترض أن تكون محور نقاش أو اختلاف بين المجتمعين.
صحيح أنّ البعض رفض فكرة "جمع أقطاب حزبية غير متجانسة تحت مظلة طائفية"، واعتبرها بمثابة "اصطفافات طائفية"، كما جاء مثلاً في بيان الاعتذار الذي أصدره النائب إبراهيم منيمنة، إلا أنّ المدافعين عن لقاء دار الفتوى يتحدّثون عن "عنوان رمزي واضح" للقاء، قوامه "الجمع في زمن التفرقة"، ولو كان ذلك على الثوابت والمبادئ لا أكثر، وهنا بيت القصيد وفق هؤلاء!