مجددا عاد الحراك السياسي والديبلوماسي الذي يقوده السفير السعودي في لبنان وليد البخاري ليكون الحدث الاساسي في الحياة السياسية اللبنانية بالتوازي مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، خصوصا ان المملكة العربية السعودية تتعامل مع لبنان بمستوى منخفض جدا من الإهتمام منذ سنوات طويلة.
يجمع المطلعون على المشاورات التي اجراها السفير السعودي في لبنان مع القيادات اللبنانية انه لم يطرح اسم اي شخصية سياسية لتكون مرشح الرياض لرئاسة الجمهورية، بل وضع نقاطا اساسية وخطوطا عريضة للمواصفات السياسية للرئيس المقبل على اعتبار ان وصول الرئيس الحالي ميشال عون ساهم في زيادة البرودة في العلاقات بين البلدين.
يكمن اصل المشكلة السعودية في لبنان في زيادة دور ونفوذ خصومها في المؤسسات السياسية والدستورية، وهذا بحد ذاته يضرب روحية اتفاق الطائف الذي اعطى الرياض نفوذا في السلطة السياسية بالتفاهم مع دمشق في حين اعطي "حزب الله" نفوذاً ميدانياً كبيرا، اما اليوم فقد خف الدور السعودي لصالح الحزب وحلفائه.
ابتعدت الرياض عن الإنخراط المباشر في الحياة السياسية اللبنانية ولم تعد تتدخل في التفاصيل ، كما أنها انكفأت بشكل علني وصريح عن اي دور إنقاذي للبنان كانت تلعبه في المراحل السابقة، وهذا ما دفع اكثر من طرف سياسي داخلي ودولي للسعي لإقناع السعوديين بضرورة ممارسة دورهم التقليدي مجدداً.
من دون ان زيادة في انغامسها السياسي، عملت السعودية عبر سفيرها في بيروت على تنظيم واقع حلفائها في الانتخابات النيابية الاخيرة في محاولة لمنع حصول انهيار كامل في صفوفهم يستفيد منه "حزب الله" للسيطرة على البرلمان بتجديد الاكثرية النيابية، وهذا ما نجحت به الرياض، اذ ان الحزب وبعيدا عن كل الحسابات لم يستطع الفوز بأكثرية صريحة في الانتخابات.
تحاول الرياض اليوم تكرار تجربة الاستحقاق النيابي خلال الاستحقاق الرئاسي اذ ان المملكة ليست في وارد فتح اشتباك سياسي كبير مع "حزب الله" في هذا الاستحقاق لكنها في المقابل ستعمل بشكل صريح على منع تكرار تجربة الرئيس ميشال عون وستحاول عرقلة مساعي للحزب لايصال رئيس متحالف معه.
احدى الشروط السعودية الاساسية للعودة السياسية والمالية الى لبنان هي تكوين سلطة لبنانية غير معادية لها، ولعل ايمان قوى حزبية ونيابية عدة بأن الإنقاذ لن يتم الا بدعم خليجي وسعودي جعل من أدوات تأثير الرياض على المشهد الرئاسي فاعلة وجدية، من هنا ستكون المملكة احد اللاعبين الاساسيين في الاستحقاق الرئاسي خلال المرحلة المقبلة.