منذ أكثر من ثلاثة عقود، تستمرّ مشكلة قطاع الكهرباء بالتفاقم بسبب الهدر، تداعي المعامل المنتجة، وغياب خطّة شاملة وحلول إصلاحية فعلية توفّر على اللبناني عناء الترنّح بين زيادة ساعات التقنين والبقاء تحت رحمة مافيات المولدات. في هذا الواقع المشرذم، فرض على المواطنين دفع فاتورتين بدل الواحدة للكهرباء التي يحصلون- في أحسن الحالات- على شيء بسيط منها، إلى أن جاء الحديث عن رفع الدعم عن الكهرباء.
وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، أكّد أن رفع الدعم عن فاتورة الكهرباء يحتاج إلى إجماع سياسي، كي لا نقع لاحقاً في مشكلة زيادة الإهدار نتيجة عدم دفع الفواتير"، مؤكداً أن رفع تعرفة الكهرباء هو الحلّ المثالي لإنقاذ القطاع في ظلّ الإهدار الفني وغير الفني الذي لحظته الوزارة، والمتمثّل بـ40% ولا يجب أن يتجاوز هذا الحدّ، بحسب فياض، ما يطرح تساؤلات عدّة بشأن آلية الدعم السابقة.
لماذا الآن؟
وبحسب الخطة اللازمة لزيادة أسعار الكهرباء التي ستُحصّل من المشتركين وفق سعر الصرف في منصة "صيرفة"، ستصبح الأسعار على الشكل الآتي: 10 سنتات لأوّل 100 كيلووات، و27 سنتاً لكلّ كيلووات يزيد عن الـ100.
في هذا الإطار، تساءل المدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون عن "سبب ربط رفع التعرفة الكهربائية بزيادة ساعات التغذية في خطة الكهرباء للعام 2010 فضلا عن الحديث عنها منذ سنوات خلت، وتحديداً منذ العام 2017، بينما يتمّ اللجوء إلى رفعها في أحلك الظروف التي يعيشها المواطن اليوم؟".
هذه الزيادة وصفها بيضون في حديث لـ"لبنان24"، بالمنطقية والمعقولة بل حتى إنها كانت يجب أن تحصل منذ فترة، إنما الآن فهي لن تعوّض النقص لأن المبلغ ضئيل إذا تمّت مقارنته بثمن الفيول الذي تحتاجه المؤسسة.
وفي ظل الوضع الإقتصادي السيء وعدم قدرة الكثيرين على الإشتراك بالمولّد ووسط الهدر الكبير الذي يحول دون استرداد كلفة الطاقة المنتجة، رأى بيضون أن رفع الدعم عن الكهرباء الآن سيؤدي إلى إسقاط ما تبقى من رادع أخلاقي يحول دون سرقة المادة، متسائلاً: "من أين ستسدد مؤسسة الكهرباء المال الذي ستقترضه لتأمين المحروقات؟".
من هنا، تخوّف بيضون من أن يكون الحديث عن رفع الدعم عن الكهرباء في هذا التوقيت بالذات، "محاولة لأخذ حوالي 200 مليون دولار على سعر الصرف القديم من خلال تحركات صبيانية وغير واقعية"، بحسب وصفه.
كما استعرض بيضون أهمية النفط العراقي في العام الذي مضى، متمنياً تجديد العقود بعد تصحيح الأخطاء، خصوصاً وأن عملية التبادل هذه دخلت عليها مافيا الفيول المغشوش القديم وما زالت تتحكم بالعملية، بحسب ما قال.
وفي هذا الإطار، أشار بيضون إلى أن الغاز المصري مرتبط بدول عدة وبإرادة البنك الدولي الذي يربط موافقته بإصلاحات في وزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء التي أحدث الخلل فيهما على مدى سنوات طويلة انهيار مالية الدولة، إفلاس الخزينة وانهيار الإقتصاد بشكل عام.
حل متجدّد
من جهته، طرح رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني حلاً متجدداً من خلال دعوته إلى اعتماد النهج الأوروبي عبر تفكيك احتكار كهرباء لبنان وإطلاق المبادرة الفردية والمنافسة، والسماح لمن يرغب بتوليد الطاقة وبيعها للشعب اللبناني، معتبراً أن مصالح خاصة في المؤسسة تحول دون ذلك لها علاقة بالصفقات العمومية التي تقوم بها، وطريقة شرائها الفيول، فضلاً عن التوظيف العشوائي الذي يعمّها.
والأهم بالنسبة لمارديني كما قال في حديث لـ"لبنان24"، هو وجوب التركيز على التكنولوجيا وخاصة في مجال الطاقة المتجددة، وهنا تساءل عن "سبب منع القانون اللبناني مثلاً المواطن الذي يمتلك أرضاً كبيرة من تحويلها إلى مزرعة للطاقة الشمسية وبيعه الكهرباء بشكل متفرّد؟"، معتبراً أنه يجب إنتقال تراخيص الطاقة المتجددة من الحكومة المركزية إلى البلديات، وبالتالي تخفّ تكاليف تركيب طاقة شمسية على المواطن، والتي لا تقلّ كلفتها عن 5000$ .
وشدّد على أن كلفة الإنتاج ونقل الكهرباء وتخزينها بالإستناد إلى الطاقة الشمسية تخفض الكلفة إلى 6 سنت، بينما المولّد يبيع الكهرباء بـ50 سنتاً والأمر نفسه بالنسبة لمؤسسة كهرباء لبنان إذا أرادت لوصول للتوازن من خلال رفع الدعم.
وبحسب مارديني، عمدت إحدى البلديات الشمالية- بسبب منعها قانونياً من تنفيذ هذه الفكرة- إلى جمع التبرعات من المغتربين لإضاءة البلدة بالطاقة الشمسية لحوالي 17 ساعة فكلّف الأمر حوالي الـ120 ألف دولار.
وفي هذ الإطار، شرح مارديني أن دعم الكهرباء كان يتمّ تأمينه من أموال المودعين ولهذا السبب خسر هؤلاء أموالهم بسبب الفجوة التي حصلت. وقال: "كانت الحكومة تعطي سلفة خزينة بالليرة اللبنانية إلى مؤسسة كهرباء لبنان التي كانت تحوّل هذه السلفة إلى الدولار على سعر الـ1500 لدى المصرف المركزي، والذي بدوره كان يستخدم دولارات المودعين في المصارف ويعطيها لكهرباء لبنان مقابل الليرة التي كان يستحصل عليها من المؤسسة".
واعتبر مارديني أن حلّ الهدر في قطاع الكهرباء هو "ببساطة إغلاق مؤسسة كهرباء لبنان وإلغاء وزارة الطاقة، لأنهما كلّفتا الشعب اللبناني العديد من الدولارات وبانت هذه الكلفة اليوم في ظل الفجوة القائمة وبالتالي يجب السماح للشركات بفتح معامل كهرباء وتوليدها وبيعها مباشرة للشعب، من دون المرور بمؤسسة الكهرباء".
أمّا فيما خصّ الزيادة المتوقعة على الفاتورة، فأشار مارديني إلى أنه عند رفع التعرفة فالناس حكماً ستخفض إستهلاك الكهرباء، وبالتالي سينخفض شراء المؤسسة للفيول، مشدداً على أن التسعيرة التي ستوصل المؤسسة للتوازن المالي هي تلك الموازية لأسعار المولدات بهدف تأمين الكهرباء 24/24 وكي تتمكّن من دفع مصاريفها ذات الكلفة المرتفعة جداً بسبب الهدر.
وأشار إلى أن ما تطرحه كهرباء لبنان سيكون مماثلاً لما حدث في قطاع الإتصالات لأن زيادة التعرفة المطروحة لن تغطي مصاريفها.