أن تسأل عن تسلسل الوقائع للحال الصحي الذي وصلنا اليه اليوم مع تسجيل حالات كوليرا في أكثر من منطقة، فعليك أن تعود بالزمن قليلاً الى الوراء، وخصوصاً مع التخوف اليوم من انتشار رقعة الوباء في أماكن عدة، حيث يعيش البقاع الهاجس الأكبر بعد المناطق الشمالية من حدوث سيناريو اسود مشابه لـ"أحداث" كورونا في بدايتها والتي خرجت عن السيطرة، مخلفة الكثير من الضحايا.
وليست الكوليرا الا نتاجا متوقعا تم التحذير منه سابقاً، بسبب عوامل البيئة وانهيار البنية التحتية، والفساد الغذائي، وعلى رأس هذه العوامل تأتي المياه الملوثة واختلاط مياه الري بمياه الصرف الصحي. وجميعنا نرى بأم العين وبشكل يومي مظهرا مختلفا من الأسباب المساعدة والمسرعة لانتشار الكوليرا. ففي بداية العام الحالي تم التحذير من انتشار "الصفيرة" او التهاب الكبد الفيروسي والذي ينتج ايضاً عن تلوث غذائي وفي المياه، وحدث ما كان متوقعاً.
ومن مدة ليست ببعيدة ايضاً، نفقت أطنان من الأسماك في سد القرعون، ليتم اكتشاف الكارثة لاحقاً بعدما تم بيع هذه الأسماك في سوق صبرا، ليأكلها المواطنون من دون معرفة أنها اسماك ملوثة. وما بالكم بعربات بيع الطعام على الشارع في الأسواق الشعبية، والملاحم ومحلات بيع الدجاج التي لا تستوفي أدنى شروط النظافة. وأكثر من ذلك إحاطة شاملة يتحدث عنها الطبيب المختص في امراض الكلى والضغط الدكتور نضال المولى، والذي حذر قبل اشهر من خطر تفشي الكوليرا ووجه رسالة الى المنظمات الأممية المعنية بملف النازحين والجمعيات المحلية المتابعة، للتنبه الى خطر داهم قد ينتقل من سوريا الى المخيمات، في ظل بعض البيئات الحاضنة والتي تُعتبر مناطق بخاصرة رخوة مستعدة لتلقي الأوبئة بأشكالها المختلفة.
حصار الكوليرا
ويؤكد المولى عبر حديث مع "لبنان 24" انّنا امام كارثة حقيقية ما لم يتم حصار كوليرا في القريب العاجل، مشيراً الى انّ ما سبق ذكره من أسباب تُعتبر قلة من بين عوامل كثيرة قد تستقطب الوباء وتجعله منتشراً في المناطق ما لم تتم المحاربة على المستوى المطلوب، وخصوصاً في المناطق البقاعية اليوم، بعد التحذير من الخطر الداهم الذي يكمن في مخيمات عرسال.
ومن المفترض أن يقوم وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور فراس الأبيض بجولة اليوم، يرافقه فيها، وفد من المنظمات للاطلاع ميدانيا على الوضع الوبائي والاجراءات المتخذة للاستجابة لتفشي "الكوليرا" في محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل وتقييم الوضع وتحديد الاحتياجات. وستشمل الزيارة بلدة عرسال بطبيعة الحال، وبحسب أحد العاملين في الجمعيات المدنية في المنطقة، فإنّه أكد في حديث لـ"لبنان 24" أنّ الخطر الأكبر في عرسال هو مشكلة غياب شبكات الصرف الصحي، وتسرب المياه الآسنة الى المنازل والشوارع، في بلدة تُعتبر الأكثر احتضاناً للمخيمات السورية. اذا هو تحذير من كارثة بيئية وصحية في عرسال وكل قرى الجوار التي تنتقل اليها هذه المياه، وبحسب العامل في الجمعية فإنّه تم رصد حالات كثيرة يُشتبه بإصابتها وحالات تم تثبيت الإصابة بالكوليرا، وخصوصا لدى بعض الأطفال الذين ظهرت عليهم علامات واضحة مثل الطفح الجلدي والقيء.
الصرف الصحي
بالنسبة الى المولى فإنّ الكارثة في البقاع "تتجلى في مشكلة الابار الارتوازية، التي تتغذى من مياه الصرف الصحي، وتُستخدم للأسف في الشرب والطهي والاستحمام، وإذا لم نتحدث عن الكوليرا فحدث بلا حرج عن كثير من الامراض المعدية وامراض جلدية وتنفسية وحتى امراض قلبية وعصبية، لا تقل خطورة عن الكوليرا والصفيرة. يُضاف الى هذه الأسباب الأغذية الملوثة والمواد المنتهية الصلاحية التي يتم بيعها بلا ضمير، كل ذلك وأكثر ولدينا المخيمات ومنها لا يحترم أدني معايير الحماية والمسؤولية. لذلك كان توجهنا الى الجمعيات الأممية المعنية، لنقول لهم انّ البلد اليوم منهار اقتصادياً، وليتفضلوا بتحمل مسؤولية المخيمات وكل المشاكل التي تنتج فيها، وتتصدر الى خارجها. فالكلام اليوم لا يشفي ونحتاج الى الأفعال".
ويؤكد المولى: "من تجربتي وخبرتي أٌقول ان الكوليرا قد يحاصرنا إذا استمر الوضع على ما هو عليه، في ظل استهتار غير مقبول وعدم تحمل المسؤوليات، وفي ظل خروج السوريين من لبنان وقدومهم اليه بدون رقيب او حسيب".
وهنا ينصح المولى بتوفير طاقم طبي بشكل متواصل يكشف سريرياً على المخيمات لفترة مقبولة كي يتم حصر الحالات، و"منع الدخول والخروج من المخيمات من سوريا واليها، وهذا ما يحصل عبر المعابر بطرق غير شرعية. هذا بالدرجة الأولى. اما الحل الثاني فيكمن في اقفال كل المحلات العشوائية والملاحم التي تبيع الطعام بشكل مخالف للمعايير الصحية وهذا يتطلب مراقبة وتضافر المسؤوليات للخروج من كارثة مرتقبة".
ومن الحلول المطروحة ايضاً هو تنظيف الأنهر وإيجاد مشكلة للآبار الارتوازية ومياه الصرف الصحي، والا "فلنعد ضحايا الكوليرا كما شغلنا العداد لضحايا كورونا"، يتابع المولى.
مقررات حكومية
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ترأس امس اجتماعا للجنة الوزارية المكلفة بمكافحة انتشار الأوبئة بمشاركة الوزراء المعنيين، وتم اتخاذ مجموعة من القرارات للحد من انتشار الكوليرا، منها: تأمين الطاقة الكهربائية بالتعاون مع الشركاء الدوليين لمحطات ضخ المياه ومحطات الصرف الصحي خاصة بالإضافة الى تأمين المعقمات اللازمة لتوزيعها على مؤسسات المياه. وأيضا، الطلب من المجتمع الدولي وخاصة المنظمات التي تعنى بشؤون النازحين القيام بواجباتها وتأمين ما يسمح بإيجاد بيئة صحية سليمة للنازحين والحد من اية اثار جانبية على البلد المضيف.
كم تم الاتفاق على الطلب من وزارة المالية التسريع بدفع المستحقات للبلديات وللعاملين في المستشفيات الحكومية، والطلب من وزارة الزراعة تكثيف القيام بالفحوصات اللازمة للمنتوجات الزراعية المستوردة او المنتجة محليا. ومن بين المقررات أيضا، تفعيل نقاط الرقابة الصحية على المعابر مع اخذ الاجراءات المناسبة من فحوصات وإرشادات مع التشدد بإجراءات المراقبة بالتعاون مع الاجهزة الامنية والمنظمات الدولية.
واليوم سيلتقي الرئيس ميقاتي ممثلي المنظمات الدولية المعنية لمتابعة البحث في هذا الملف الخطير.