من الواضح ان مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية دخلت في نفق مظلم ولم يعد الحديث عن امكانية الوصول الى تسوية بين القوى السياسية عموما وتحديدا بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المُكلّف سعد الحريري امراً واقعياً بل بات الاستسلام لفكرة "لا حكومة" في الاسابيع المقبلة هو الجو السائد في هذه المرحلة.
لكن الاهم، هو ما يظهر من غرف القرار لدى مجمل الاحزاب السياسية المعنية بالتشكيل، اذ ان التوافق يغلب، في ظل تقاطع المصالح، على عدم ولادة الحكومة سريعا. فما هي المكاسب المتوقعة من التأجيل وكيف يلعب عامل الوقت دورا إيجابيا بالنسبة اليهم؟.
تشير المصادر الى ان "حزب الله" لا يقلقه عدم تشكيل الحكومة، بل هو يعتبر أن المماطلة الداخلية هي بمثابة تقطيع للوقت بانتظار وصول الرئيس الاميركي المُنتخب جو بايدن الى البيت الابيض لكشف الستار عن مسار سياسته التي سوف ينتهجها في لبنان والشرق الاوسط، ما يعني ان التأخير، وبحسب المصادر، من شأنه أن يهيّء لـ"حزب الله" شروطاً افضل في المرحلة المقبلة.
وتضيف المصادر ان الحزب يعتبر وصول بايدن الى السلطة سيُساهم في تحسين شروطه في المنطقة بشكل عام وفي لبنان على وجه الخصوص، لأن ذلك سيمكّنه من تحريك أوراق كان قد ركنها جانباً، لا سيما وان احتمال الوصول الى تسوية جيدة في الاتفاق الاميريكي - الايراني يبدو كبيرا وقد يصار الى وضعه في المستقبل القريب على السكة الصحيحة.
من جهة اخرى، فإن "تيار المستقبل" والرئيس سعد الحريري على وجه التحديد، يعتبران أن مراعاة الاميركيين حاليا هو حاجة ملحّة لا بدّ منها، اما ومع وصول بايدن ستصبح فرنسا المدخل الاساسي لأي ولوج أميركي الى لبنان، اي ان الاميركيين سيتعاطون مع الملف اللبناني بوجهة نظر فرنسية، وهذا سيمكّن الحريري الذي بات حليفا أساسيا للفرنسيين من تحقيق اهدافه وشروطه، وفي أسوأ الاحوال سيملك في جعبته اوراقاً رابحة لا يمكن لأي احد تجاوزها.
وتقول المصادر بأن الحريري يضع رهانه السياسي على الدور الفرنسي في لبنان، وهذا الدور سيتفاعل ويتألق ببريق مختلف في فترة ولاية بايدن، لذلك فإن تأخير ولادة الحكومة لا يزعج الحريري على الاطلاق بل هو يبدو مستفيدا بشكل واضح من العراقيل الحاصلة.
يبقى القول أن "العهد" ممثلا بالرئيس ميشال عون هو الاكثر تضررا من العثرات الحكومية، لأنه بات يرهقه عدّ الايام التي تمرّ من عهده سُدى في ظل الفراغ الحكومي الذي يسيطر على البلاد، ما حتما سيُحسب عليه، هو الذي لم يستطع بأي شكل من الاشكال التقدّم خطوة نحو الإنقاذ الاقتصادي والمالي في لبنان، الأمر الذي قد يضطره الى تخفيف نبرة العناد وتقديم بعض التنازلات السياسية لضمان سير باقي الاطراف بالتشكيل الذي بات ضرورة قصوى لحفظ ما تبقى من ماء الوجه.