أرقام "كورونا" ترتفع يوميّاً بشكل جنونيّ. ولعلّ الاحتفال بالاعياد والاختلاط داخل المنازل والمطاعم والملاهي الليلية، وغيرها من المؤسسات السياحيّة، بالاضافة إلى استقدام المتحوّر الجديد "أوميكرون" من الخارج عبر المطار، كل هذه العوامل ساهمت بتحليق الاصابات اليوميّة بفيروس "كورونا". وعاد إلى الاذهان سيناريو العام الماضي. فبدأ لبنان فعليّاً بتسجيل إصابات قياسيّة يوميّة، في ظلّ وضعٍ إستشفائيّ صعب للغايّة، حيث بات يستحيل على الفقير والطبقات المتوسطة دخول المستشفى للعلاج من جهّة، والمستشفيات تفتقر لغرف العناية المركّزة وأجهزة الاوكسجين، ناهيك عن ارتفاع كلفة الادوية والعلاج.
وصحيح أنّ القطاع السياحي كان الخاسر الاكبر جراء الازمة الاقتصاديّة، وتدهور القدرة الشرائيّة لدى المواطنين، وقد أتت موجات "كورونا" وما تبعها من إقفال البلاد العام الماضي إلى زيادة الخسائر على القطاع. ورغم أنّ القيّمين على المطاعم والمؤسسات السياحيّة أكّدوا أنّ 90 بالمئة من موظفيهم تلقوا اللقاح المضاد لـ"كورونا"، فإنّ الالتزام داخل المقاهي والملاهي لم يكن دقيقاً. فمن خلال الكثير من الجولات، كانت المطاعم تغصّ بالمواطنين، ولم يتم احترام التباعد بين الطاولات والزبائن. فكان الكثير من الناس يحملون "أوميكرون" من دون علمهم، وينقلون العدوى لمن بقربهم.
ولعلّ عدد محاضر الضبط التي سطرتها قوى الامن الداخلي بحقّ مؤسسات سياحيّة خير دليل على أنّ الالتزام كان خجولا فيها. ففي آخر تقرير صادر يوم 5 كانون الثاني 2021، سُطّر 166 محضرا بحقّ مؤسسات سياحية مخالفة، بينما، أُقفل 54 بالشمع الاحمر، في فترة الاعياد. كذلك، عمدت وزارة السياحة بدورها، الى تسطير 86 محاضرا وإقفال 15 مؤسسات مخالفة. وهذه الارقام أتت على الرغم مما اعتبره أصحاب المؤسسات السياحيّة مجحفا بحقّهم، بعد إجبارهم بنسبة الـ50 بالمئة للاشغال خلال فترة الاعياد. فما هو الصواب، خسارة بعض الزبائن أم أرواح المواطنين وانتشار الوباء؟ ففي العديد من هذه المؤسسات، تم تقديم النرجيلة للمواطنين في الاماكن المغلقة، بالاضافة إلى أنّه تمّ ملاحظة الكثير من العاملين من دون وضعهم الكمامة. وكان يجب على المؤسسات السياحيّة أن تلعب دور المراقب على صحة الناس، وفرض الاجراءات التي صدرت عن لجنة "كورونا" بالقوّة.
كذلك، برزت بؤرة أساسيّة ثانيّة لانتشار "كورونا" خلال الاعياد، وتتمثل بالحفلات التي أقامها اللبنانيون في منازلهم، وفي الشاليهات. وهذه الاماكن لم تكن خاضعة لايّة رقابة أو بالالتزام بالاجراءات الوقائية بين الاهل والاصدقاء. وتجدر الاشارة أيضاً، إلى أنّه تمّ تسطير أكثر من ألف محضر ضبط بحقّ مواطنين خالفوا قرار التجوّل، رغم عدم أخذهم اللقاح.
في الاطار عينه، سُجلت أرقام إصابات بـ"كورونا" غير مسبوقة على متن الرحلات التي قدمت إلى بيروت، وتخطت الـ600 حالة. فكانت الطائرات ممتلئة بالركاب والمغتربين، من دون الإلتزام بالتباعد الإجتماعي لساعات طويلة.
ويبقى على المواطن المستهتر الذي لا يلتزم بارتداء الكمامة في الاماكن العامّة، أنّ يعي أنّ اللقاح لن يحميه، ولن يحمي غيره من العدوى، بل يساهم بتجنيبه الاصابة الخطيرة والموت. كذلك، عليه أنّ لا يدخل إلى مكان مكتظّ ويساهم بانتشار الوباء، بل يتوجب عليه التبليغ فوراً عن المخالفة، والتحلّي ببعض المسؤولية تجاه المجتمع. ومن هنا، يجب التشديد للمرة المليون، على أنّ الدولة لا يمكنها أنّ تكون خفيراً على 5 مليون مواطن، وأخذ اللقاح هو السبيل الوحيد لحماية المجتمع.
في السياق، يُشير رئيس قسم الأمراض الرئوية والعناية الفائقة في مستشفى "الروم"، الدكتور جورج جوفيليكيان لـ"لبنان24" إلى أنّ "ارتفاع إصابات "كورونا" إلى 5000 و7000 حالة كان أمرا متوقعا، وخصوصاً بعد أعياد الميلاد ورأس السنّة، وبوجود "أوميكرون" سريع الانتشار". ويقول إنّه فقط "بالاطلاع على الدول المحيطة والاوروبيّة، نعرف أنّنا كنّا بصدد الدخول بموجة الاصابات المرتفعة". ويوضح أنّ "الحالات لم تصل بعد إلى مستواها القياسي، والاسبوع المقبل مفصليّ لمعرفة أيّ رقم سنصل إليه، ومن الممكن أن تكون الارقام أعلى بكثير مع بلوغ الذروة".
ويلفت جوفيليكيان إلى أنّ "المدارس ستفتح الاثنين المقبل، في وقت لم نصل بعد إلى ذروة الاصابات بـ"كورونا". ويُتابع أنّ "الكثير من التلاميذ سيدخلون المدارس، وهم يحملون الفيروس، والعوارض غير ظاهرة عليهم، وخصوصاً وأنّ عوارض "أوميكرون" شبيهة "بالانفلونزا" والرشح، وليست كعوارض "كورونا" التي تُصيب حاسة الذوق على سبيل المثال". ويُردف أنّه "مع فتح المدارس، نعمل على زيادة الاصابات، وإقفال الصفوف والمدارس في وقت لاحق، فأين نكون قد استفدنا؟". ونصح "بتأجيل التعليم الحضوري لمدّة أسبوع لتبيان أرقام "كورونا" الناتجة عن الاعياد، واتّخاذ الاجراءات والخطوات المناسبة".
ويتوقع جوفيليكيان أنّ "تتخطى الارقام 10 الاف إصابة يومياً خلال الاسبوع المقبل". ويذكّر المواطنين أنّ "أخذ جرعتين أو ثلاثة من اللقاح لا يعني أنّ أيّ شخص لن يلتقط العدوى ولن ينقلها لغيره، بل هذا يحميه من الاستشفاء والموت. ويبقى الخوف على غير الملقحين، وخسرنا شبابا في العشرين من عمرهم، وهم كانوا بكامل صحتهم ولا يعانون من أي مرض".
ويُضيف جوفيليكيان أنّ "الاختلاط خلال الاعياد يُشير إلى أنّ الناس لم تأخذ العبرة من الذي حصل العام الماضي، ولم تلتزم بالاجراءات الوقائية، والرقم 7000 الذي سُجّل يوم أمس لم نشهده في موجة الوباء في العام الماضي، حيث كانت اللقاحات لا تزال غائبة". ويرى أنّ "نسبة الاصابة حاليّاً ليست مهمّة، بل العدد هو الذي يُبنى عليه، فعدد الغرف في العناية المركّزة ضئيل ولا يمكن إضافته، والناس لا تُقدّر هذا الامر، فلا نملك الطاقة لتكبير غرف العناية المركّزة، ولا حتى الطاقة البشريّة والاطباء والممرضين والممرضات، ولا حتّى الادوية".
ويكشف جوفيليكيان أنّ "طوارىء "كورونا" في مستشفى "الروم" وصلت إلى ذروتها، ولا يمكننا إستقبال أي مريض آخر". ويقول: "كلّ حالة إختلاط أكانت في المؤسسات السياحيّة، أم في المدراس، من شأنها أن تزيد من العدوى ومن أعداد المصابين بالفيروس".