منذ ثلاث سنوات تقريباً، أطل رئيس بلدية بيروت بلال حمد ليعلن عن قرار حمل القرار (848) يقضي بنشر شبكة من كاميرات المراقبة في شوارع مدينة بيروت "لردع يد الاجرام والإرهاب وردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن"، بحسب ما صرح وقتها. وعلى الرغم من أن هذا المشرع كان وضع قيد التنفيذ في مدة أقصاها سنة (أي عام 2014 آنذاك)، إلا أن المشروع تم تأجيله لأبعاده الأمنية وخطورته، ليُعود إلى الواجهة من جديد بعد الموافقة عليه، مشعلاً معركة كلامية حادة بين حمد ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط.
فمنذ أيام، حذر جنبلاط من صفقة كاميرات مراقبة ستقوم بلدية بيروت بتركيبها بتواطئ مع أركان الوزارة بقيمة 50 مليون دولار! في إتهام مباشر لرئيس البلدية بأن وراء الصفقة ما وراءها، ليردّ الأخير مؤكداً أن "الشركة المتعهدة غوارديا (Guardia Systems) نفذت تركيب شبكة كاميرات متطورة في كل مناطق بيروت الإدارية". هذا الإعلان أثار شكوك وتساؤلات المتابعين حول تعمد إخفاء الإعلان عن مثل هكذا مشروع أمني – إداري - إنمائي ضخم في العاصمة، أقله في بيان أو تصريح. وبالرجوع إلى الطرفين المتنازعين، تابع حمد مصحّحاً معلومة قدمها جنبلاط للرأي العام فقال إن "كلفة المشروع بلغت 36 مليون دولار أميركي بما فيه الضريبة على القيمة المضافة وليس 50 مليون دولار". مضيفاً: "هذا المشروع هو أحد أهم إنجازات المجلس البلدي"، ما استفز جنبلاط الذي استهزأ برده عبر تغريدة "أفحمتني"، طارحاً أسئلة حول: "كيف تمت المناقصة ومن هو المتعهد؟".
هكذا، بين الأخذ والرد حول قضية مهمة على صعيد سلامة المواطن قبل أي شيء، طرحت عدة تساؤلات حول تاريخ وكفاءة وخبرة وشفافية الشركة المتعهدة، وعن مدى أهمية المشروع على بيروت وسلامة القاطنين والعاملين فيها؟
"الحكي ما عليه جمرك"
وفي حديث خاص مع
"لبنان 24" أوضح حمد أن "المناقصة تمت منذ سنة ونصف وهو موضوع قديم، لكن يبدو أن النائب جنبلاط أراد فتح جبهة علينا"، شارحاً: "لأن المشروع يمتاز بطابع أمني حساس أجرينا حينها مناقصة محصورة، لكن ديوان المحاسبة نصحنا وقتها بالسير في مبدأ التراضي مع شركة واحدة فقط، وعلى هذا الأساس قمنا وبالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات بتحديد 5 شركات لتقديم عروض أسعار مناسبة. بعدها إنتقينا من بينها جميعاً الشركة الأدنى سعراً والأكثر كفاءةً، وهي شركة "غوارديا (Guardia Systems)، وبناءً عليه وافق ديوان المحاسبة على المناقصة".
وعن سبب هجوم جنبلاط في هذا التوقيت بالذات عشية الانتخابات البلدية، يقول حمد: "الحكي ما عليه جمرك"! ويضيف مؤكداً أن "الشركة تتعاون مع القوى الأمنية في مشاريع عدة ولديها تعاون مع دول أوروبية وأفريقية، ومشهود لها بأهميتها وكفاءتها، وأي كلام آخر هو عبارة عن "تفخيخ" لا أكثر ولا أقل".
كلفة المشروع 20 مليون دولار وليس "36"!
ليس جنبلاط وحده من فتح جبهة ضد المشروع ومنفذيه، بل نقابة محترفي الحماية والسلامة في لبنان التي واجهت بلدية بيروت بمعلومات خطيرة، فذكّرت أن "البلدية قامت بتلزيم المشروع بالتراضي بمبلغ كبير"، علماً أن الشركات المحتجة قدّرت الكلفة بين 20 و25 مليون دولار"!
وعن هذه الجزئية يعلق حمد نافياً هذا الأمر جملةً وتفصيلاً، ويقول: "هذا كلام لا أساس له من الصحة وغير دقيق بتاتاً، فلو ثبت أي مخالفة في المناقصة، كان ديوان المحاسبة رفض المشروع"، لافتاً إلى أن "وزارة الداخلية درست المشروع بدقة ووافقت عليه، كما صادق وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عليه"، مضيفاً: "ديوان المحاسبة قام بتكليف خبيرين ومرجعيات دققوا في الارقام والاهداف والمواصفات، لذا نستطيع القول بأن المشروع "مغطى" أي محمي من جميع النواحي الفنية والقانونية والادارية".
وعن المشروع، يقول حمد: "عقدنا إجتماعاً مع رئيس هيئة أوجيرو ومديرها العام، عبد المنعم يوسف، واتفقنا على وصل الكاميرات بغرف التحكم وغرف خزن المعلومات بواسطة شبكة الياف ضوئية، بإشراف القوى الامنية"، لافتاً إلى أن "المشروع يتضمن غرفتي تحكم وغرفتي بيانات وسوف يتم تخزين المعلومات مدة ستة أشهر". ووختم بالقول إن "المشروع ضخم ويحمي بيروت من التفجيرات، وسيكون جاهز تماماً بعد خمسة أشهر".
"
لبنان 24" اتصل بالشركة المتعهدة، التي أكدت أن "المسؤول عن المشروع خارج لبنان حالياً"، مشددةً على انه "لا يمكننا الإدلاء بأي معلومات تخص المشروع، وحتى المتعهد لن يقدم معلومات".
هكذا، بين إقتراب موعد الإنتخابات البلدية العتيدة من جهة، والقطبة المخفية المتعلقة بـ "سرية" المشروع على الرغم من أنه "إنجاز عظيم" من جهة أخرى، ترتسم في ذهن المواطن شكوك وأسئلة وهواجس، عمن يضمن أمنه، وسلامته، وحقوقه المهدوره، لكن من دون فساد وسمسرات وفضائح.