اشتباك من نوع آخر يشهده الملف النفطي، بدأت ملامحه بالظهور خلال جلسة اللجان النيابية المشتركة التي انعقدت لمناقشة ثلاثة اقتراحات قوانين قدّمتها كتلة التنمية والتحرير، وهي قانون الصندوق السيادي، قانون شركة البترول الوطنية، وقانون إنشاء مديرية عامة للاصول البترولية في وزارة المالية. وبدا جلياً ألّا اتفاق حول الجهة المخولة إدارة عائدات القطاع، وأنّ هذه الإقتراحات ستسلك درباً مليئة بالألغام قبل أن تبصر النور، لاسيما وأنّها تتعلق بالأموال المنتظرة من القطاع.
لماذا هذه القوانين اليوم واستخراج البترول بحاجة إلى سنوات؟
بعد إقفال
دورة التراخيص في 12 تشرين الأول على إئتلاف الشركات الثلاث، المكوّن من الشركة الفرنسية Total SA والشركة الإيطالية ENI International B.V والشركة الروسية JSC NOVATEK ، تلقّى
لبنان عرضاً واحداً قدّمه ائتلاف هذه الشركات للتنقيب عن النفط على رقعتيْن معروضتيْن هما بلوكات رقم "4 و9". هيئة إدارة قطاع البترول أنجزت تقريرها حول عرض الشركات، ويفترض بمجلس الوزراء بعد العودة عن الإستقالة واستئناف جلساته أن يبتّ بالأمر، وبالتالي المسار النفطي العملي سلك طريقه التنفيذي بعد التباطؤ الكبير الذي شهده على مدى السنوات السابقة .
اليوم بدأ التفكير بالمرحلة الثانية التي يجب أن تواكب الثروة النفطية الموعودة، كي لا تخضع العائدات المنتظرة لتلاعب من هنا وجشع من هناك إسوة بقطاعات أخرى، فتذهب الثروة إلى جيوب الفاسدين بدل أن تُستثمر لرفع شأن
لبنان اقتصادياً.
عن أهمية هذه الإقتراحات التي من شأنها استكمال المنظومة التشريعية لقطاع البترول لفت النائب ياسين جابر في حديث لـ "لبنان 24" إلى أنّه عند ظهور بوادر مخزون نفطي في لبنان، تمثّلت المرحلة الأولى بإعداد التشريعات المناسبة ليتمكّن لبنان من استغلال الثروة النفطية، من هنا بدأ التشريع الأساسي بإقرار قانون النفط في
المياه البحرية والذي صدر عام 2010 وسمح للحكومة بإستكمال التشريع من خلال المراسيم التطبيقية وعددها 32 مرسوماً، وأستغرقت منظمومة المراسيم وقتا طويلاً لإنجازها مؤخراً في مجلس الوزراء، وبالتالي أصبحنا اليوم أمام واقع حقيقي بعدما تقدّمت الشركات بعرضها وهي من أكبر الشركات العالمية، وشركة ENI الإيطالية مشهود لها، فعندما يئست كل الشركات في العالم عن إيجاد غاز في
المياه المصرية، اكتشفت هذه الشركة أكبر مكمن غاز هو حقل زهر" .
وأضاف جابر "اليوم أتى الوقت المناسب لمواكبة مرحلة ما بعد الإستكشاف،من هنا تقدّمنا بهذه الإقتراحات لإستكمال المنظومة التشريعية للمرحلة اللاحقة، ولمن يعتبر أن الوقت ما زال مبكراً لدرسها، نلفت إلى أنّ التشريع في لبنان يستغرق وقتاً طويلاً بدليل أنّ قانون النفط صدر عام 2010 وبعد سبع سنوات وصلنا إلى هذه المرحلة. وبالتالي المسار التشريعي أشبه بغرس شجرة زيتون وما تحتاجه من أعوام لتثمر في النهاية ".
ليس سراً القول إنّ الشفافية في لبنان مفهومٌ غائبٌ عن الدولة وقطاعاتها، من هنا تسعى هذه القوانين إلى إدارة عائدات الثروة من خلال
قوانين ترعاها وتنظّمها، وفي هذا الإطار يقول جابر إنّ المؤشرات الأولى التي ظهرت ليست مطمئنة "فعلى سبيل المثال الأموال التي توفرت من بيع المعلومات الجيولوجية وُضعت في حساب ولم تذهب إلى وزارة المال" .
ويتحدث جابر عن الهدر الحاصل في قطاعات عدة قد يمتد إلى قطاع البترول في حال غابت القوانين الناظمة، ويلفت إلى تجربة سيئة في قطاع الإتصالات "لدينا قطاع يدرّ مداخيل كبيرة شبيهة بالنفط في لبنان، هو قطاع الإتصالات، ونرى عملية نهب منظّم لموارد الدولة من خلال الإتصالات ،نتكلم عن 3 الآف مليار سنوياً قابلة للزيادة وبالتالي فلنتعلم من تجربة الإتصالات ولنتفادى مثل هذه التجارب المرة التي نشهدها، من هنا نبادر اليوم بشكل مسبق لنضع القوانين والآليات لقطاع النفط. مثال آخر غير مشجع متمثل بتجربة GDS وأوجيرو والهدر الحاصل، أصدرنا قانون للشراكة بين القطاعين العام والخاص ينظّم طرق الشراكة، كي لا نشهد تجارب شبيهة، وللأسف الشديد يحالون التهرب منه وتجاهله ".
يعول جابر على إقرار هذه المنظومة التشريعية لتحصين القطاع من هدر وفساد محتملين، ويقول: "نتمنى أن ننجح بإقرار هذه القوانين الضرورية لمواكبة المرحلة المقبلة، والتي من شأنها أن تضع الأسس للتعامل مع ملف الموارد النفطية، وكل من يعارض عملية تنظيم القطاع يتبث أنّه يريد ان يستمر في الممارسات غير الشفافة".