اختار وزير الخارجية والمغتربين توقيتاً لافتاً لإطلاق طرحه القاضي بـ"إلغاء المذهبية السياسية من دون تعديل الدستور، للمحافظة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين". فماذا قصد باسيل من طرحه هذا، الذي لن يتحقق من دون توافق سياسي، وأيّ جبهة أراد أن يقصف باختيار التوقيت عشية الإنتخابات النيابية، وفي ظل تصاعد الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية حيال مرسوم الأقدمية، بعدما فشلت كل المساعي في إيجاد حلّ له، ما دفع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط إلى نعي مبادرة الحلّ من عين التينة بالقول "راحت وضاعت".
توقفت أوساط سياسية عند توقيت الطرح فوصفته بـ"المشبوه"، "ويصب في إطار التوتر الذي شاب العلاقة بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، ومعظمه مصوّب باتجاه عين التينة، بحيث أنّ الرئيس بري كان قد طرح في السابق إلغاء الطائفية السياسية، ما شكّل نقزة عند بعض المسيحيين
الذين اعتبروا أنّ طرح بري يهدف لإلغاء صلاحياتهم ودورهم التاريخي، واليوم ردّ باسيل التحية بأحسن منها، غامزاً من قناة الرئيس بري الذي سبق أن حذّر من عودة الثنائية المارونية السنية وذلك في
معرض تعليقه على أزمة المرسوم".
ولفتت المصادر إلى أنّ الطرح الباسيلي موجّه إلى المسلمين، وذلك بقصد الإيقاع بين السنة والشيعة في مجال الحقائب والتعيينات ووظائف الدولة، وتحديداّ قصد باسيل التصويب على تمسك الرئاسة الثانية بحقائب وزارية معينة، لاسيّما أنّ بري شدد في أكثر من مناسبة على أحقية الطائفة الشيعية بوزارة المال، وبتوقيع وزير المال على المراسيم إلى جانب
توقيع الرئاستين الأولى والثالثة، أي التوقيع الشيعي إلى جانب التوقيعين المسيحي والسنّي، وبدا هذا الإتجاه واضحاً بقول باسيل: الإتهام بالإنقلاب على الدستور يأتي ممن يخلقون أعرافاً جديدة ،لا من الملتزمين بالأعراف القديمة".
وأتى الرد سريعاً على باسيل من وزير المال علي حسن خليل "الدستور هو ضمانتنا ولا يتكيّف وفق الأهواء السياسية... نحن اليوم كلّنا طوائف متساوية، ولا نستطيع أن نفسّر الدستور على طريقة المفتين الجد
الذين في مواقع مسؤولية وقد ورّطوا العهد".
وانطلاقاً من تسعير السجال بين "التيار الوطني الحر" وحركة "أمل"، وآخر مشاهده مؤتمرا باسيل وخليل والحرب الكلامية بين محطتي الـ otv وnbn، اعتبرت المصادر أنّ الخلاف على مرسوم الأقدمية هو أخطر من استقالة الرئيس سعد الحريري في حينه، كونه يعكس أزمة في الحكم بين الطوائف وخلافاً في تحديد صلاحيات كلّ منها.
وتوقعت المصادر ارتفاعاً في حدّة السجال بين الفريقين في الأسابيع المقبلة، "فالأزمة لن تقف عند هذا الحدّ خصوصاً أنّ الإنتخابات على الأبواب، والبعض يرى في طروحاته لزوم شدّ عصب الناخب. وفي هذا السياق أشارت المصادر إلى أنّ باسيل يدرك تماماً أنّ طروحاته غير قابلة للترجمة على أرض الواقع، ومع ذلك يذهب بها إلى النهاية، ويطرحها في مجلس الوزراء، تماماً عندما طرح تمديد مهل تسجيل المغتربين إلى الخامس عشر من شباط المقبل، وهو العارف أنّ الطرح لن يمر في مجلس النواب حتّى ولو مرّ في مجلس الوزراء. فالمجلس النيابي في عقده الإستثنائي، والعقد العادي يبدأ في العشرين من آذار المقبل وبالتالي تكون المهل تجاوزت تلك الواردة بطرحه، ومع ذلك سار بطرحه إلى النهاية".
أمّا الدولة المدنية التي وردت على لسان باسيل، تقول مصادر سياسية "بيننا وبينها سنوات ضوئية، وبُعدُنا عنها بحجم النكد السياسي الذي نشهده في كلّ مفاصل الحياة السياسية، مع انتخابات ومن دونها،حتّى بتنا نستيقظ كل يوم على خلاف جديد، لم تكن مرةً أهدافُه الحفاظَ على المواطن أو حتّى على أبناء الطوائف، بل الحفاظ على مواقع من هم في السلطة من هذه الطائفة أو تلك، فيما أبناء كلّ الطوائف ينتظرون على أبواب السفارات فرصة للرحيل عن وطنٍ أكل الفساد والمفسدون مقدّراته، ولم يتركوا لأبناء طوائف لبنان فرصة عمل تقيهم عذاب الغربة، وبالتالي المشهدية السجالية التي يتمسك بعرضها اليوم "مفتون جدد أم مفتنون أم إصلاحيون" من هذا الفريق أو ذاك، لم تورط عهداً بعينه بل ورطت ولا تزال وطناً ومواطنين".