بعد التظاهر وقطع الطرقات، خرجت الحكومة اللبنانية بورقة عرضها الرئيس الحريري وأيدها الرئيس عون اليوم، مؤكداً أنها ستكون الخطوة الأولى لإصلاح لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه. وقد تم تصوير الورقة للمتظاهرين على أنها إنجاز من حيث إزالة العراقيل من أمامها وإقرارها بسرعة "قياسية".
ويبدي رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني مجموعة من الشكوك حول الورقة ويطرح مجموعة من الأسئلة، فبنودها غير واضحة، بل إنّ بعضها متناقض. "من ناحية، تحاول الحكومة التوفير على الإنفاق الاستثماري غير الضروري ولكنها غير قادرة على تحديده. فقد اعتدنا على أن يعتبر كل وزير أن استثمار وزارته هو الضروري وأن التقشف يبدأ بوزارات الآخرين، فينتهي المطاف بالتوافق على الاستمرار بجميع النفقات، ممولة من جيب الشعب طبعا. ومن ناحية أخرى، تتحدث عن إطلاق مشاريع استثمارية بقيمة 2.6 مليار دولار مقررة في مجلس النواب والمضي بمشاريع أليسار ولينور. فهل ستكون حصيلة العام 2020 زيادة نفقات الدولة على الصفقات العمومية أو تخفيضها مقارنة بالعام 2019؟"
ويضيف إن الخطة "تفرض على مصرف لبنان المساهمة ب3 مليار دولار من أصل 38.5 مليار دولار يملكها. ولكن تقرير وكالة التصنيف موديز يلفت إلى أن صافي ما يمكن لمصرف لبنان التصرّف به يتراوح ما بين 6 و10 مليار دولار. لذا، فإن إعطاء 3 مليار منها للحكومة يضعف من قدرة لبنان على الحفاظ على سعر صرف الليرة، وهذا ما يشرح قلق الصيارفة والقطاع المصرفي اليوم. فهل يستطيع القطاع المصرفي تمويل عجز الموازنة العامة والمحافظة على سعر صرف الليرة في الوقت عينه؟"
أمّا سياسة إشراك القطاع الخاص في المرافق العامة التي تحتكرها الدولة، فيراها مارديني خطوة شجاعة تذهب بالاتجاه الصحيح، إذ إن "هذه المرافق باتت مثالاً يُضرَب في سوء الخدمة وغلاء التعرفة والإيرادات المخيبة. فكلفة السفر من لبنان وإليه توازي أضعاف كلفة السفر إلى أي بلدٍ مجاور ينافسه على جذب السياح مثل تركيا أو مصر أو اليونان؛ وكلفة مخابرة الخليوي هي الأعلى في الوطن العربي. ولكن غياب الحديث في الورقة عن فتح هذه الأسواق للمنافسة الحرة يعني تحويل المرفق من احتكار عام إلى خاص، ما يمنع انخفاض الأسعار وتحسين الخدمة، كما يفتح المجال واسعاً أمام المحاباة في نقل المرفق إلى المحسوبين. فهل سيُسمَح بالمنافسة أو أن المرافق ستوزع عن طريق المحاصصة ؟"
ويردف إن "الكهرباء بقيت عصية على الإصلاح، فطريقة صياغة الورقة تمهد الطريق للتهرّب من الرّقابة من خلال التشديد على الإسراع في إبرام عقود المعامل الدائمة والمؤقتة، ما يعطي الأفضلية لاستئجار سفن إضافية على الرغم من ارتفاع كلفتها وأثرها البيئي. وكذلك تطلب الورقة من الحكومة الموافقة على دفتر الشروط الذي تقدّمت به وزارة الطاقة والمياه قبل عرضه على تدقيق إدارة المناقصات، ما يزيد من احتمال وجود عيوب جوهرية في دفتر الشروط ويرفع من خطر تلزيم المشاريع لعارض غير كفوء. فلماذا لا يعرض دفتر الشروط على إدارة المناقصات لتدقيقه والأخذ بملاحظاتها قبل البدء باستدراج العروض؟"
وقد وعدت الورقة بإعداد "مشروع قانون إخضاع المؤسسات العامة والمصالح المستقلة لرقابة ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، إضافة إلى إخضاع مشترياتها لإدارة المناقصات. ولكن مجلس الوزراء يدرس اليوم مشروع قانون للشراء العام يجرّد إدارة المناقصات من دورها في التدقيق والرقابة والمحاسبة ويحوّلها إلى دائرة مشتريات. فهل سيتم تصوير هذا القانون على أنه إصلاحي أم سيتم التخلي عنه والعودة إلى اقتراح لجنة الإدارة والعدل في العام 2017 لإدارة الصفقات العمومية الذي يضمن قدراً أكبر من الرقابة على النفقات العامة؟"
الشعب يريد تغيير النظام، فقد سئم من هذا النظام الذي يضع القوانين لمصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة. والشارع بات على يقين من ذلك وفقد الثقة في هذا النظام ولم تعد الوعود تنفع معه ولن يسمح بتمرير وعود فارغة وصفقات مشبوهة وتصويرها على أنها إصلاح. لقد حان وقت المسؤولين للاتعاظ وتصحيح المسار.