قبل موعد الانتخابات البرلمانية المزمع اجراؤها في ايران في الحادي والعشرين من شباط الجاري، حط رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني الذي كان قد كشف في كانون الاول الماضي أنه خارج سباق الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، في بيروت قادما من دمشق، ليختتم جولته العربية في بغداد، علما أن لاريجاني يمثل الشخص الثاني في الدولة الرسمية الايرانية بعد الرئيس حسن روحاني، فضلا عن أنه من عائلة سياسية وتولى مواقع مفصلية في النظام الايراني وكان رئيس المجلس الامن القومي.
لقد طرحت زيارة لاريجاني للبنان أسئلة حول توقيتها، لا سيما أنها تأتي مباشرة بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب التي سعى ويسعى من شرع في تأليفها من خلال انتقاء اسماء الوزراء الى استقطاب الدعم الأميركي والخليجي على وجه التحديد.
تكمن أهمية زيارة رئيس مجلس الشورى الاسلامي باعتبارات اربعة:
الاعتبار الأول يتمثل بأن لاريجاني (الشخصية المعتدلة) هو أكبر شخصية إيرانية تزور ثلاث دول بمحور المقاومة بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني.
الاعتبار الثاني يتصل بأنه زار دمشق في وقت يخوض الرئيس السوري بشار الاسد مواجهة شرسة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في إدلب وحلب.
الاعتبار الثالث له علاقة بلبنان، فهو أعلى مسؤول أجنبي يزور بيروت بعد نيل حكومة دياب الثقة، وزيارته جاءت لتضفي حيوية وبعدا رسميا على العلاقات بين لبنان وايران في الوقت الذي يمتنع فيه المسؤولون اللبنانيون عن زيارة طهران باستثناء رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
الاعتبار الرابع يكمن في ان حركته في الدول الحساسة( لبنان سوريا العراق) تأتي في لحظة المواجهة مع الأميركيين في وقت يجري الحديث عن مفاوضات غير معلنة بين الرياض وطهران، فضلاً عن انه استفاد من الزيارة البيروتية ليعرض كما الذين سبقوه من المسؤولين رغبة بلاده بمساعدة لبنان، لكن الجديد أنه يعرض الدعم في خضم أزمة خانقة يعيشها لبنان الذي يتصحر ماليا في ظل العصا الأميركية المرفوعة في وجهه قبل الزيارة فكيف الحال بعدها، علما أن جولة لاريجاني ربما شكلت امتحان نيات لحكومة حسان دياب عند الأكثرية والمعارضة على حد سواء.
خلال لقاءاته السياسية مع المسؤولين الرسميين جدد المسؤول الإيراني استعداد بلاده الدائم لمساعدة لبنان على تحسين أوضاعه الاقتصادية، والتعاون في مختلف الميادين الصناعية والزراعية والاقتصادية بما يحاكي الواقع الراهن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن لإيران الرازخة تحت العقوبات الاقتصادية الأميركية ان تساعد لبنان، خاصة وأن المكونات السياسية المناوئة لسياسة الجمهورية الإسلامية في المنطقة، ترى أن أموال ايران الكاش لا تحل أزمة بلد، فلبنان بأمس الحاجة لاعادة وصل ما انقطع مع محيطه العربي؛ والخزينة اللبنانية بأمس الحاجة الى ودائع مالية خليجية. وترى مصادر في 14 آذار اان الزيارة اوحت وكأن الحكومة العتيدة هي تحت المظلة الايرانية وهذا لا يعني سوى اطلاق رصاصة الرحمة على المساعدات الغربية للبنان.
في المقابل، يرى لاريجاني في حديث لـ"لبنان 24" أن الطرف الوحيد الذي يمكنه حقيقة أن يعمل على حل المشكلات التي يعاني منها لبنان، هو الشعب اللبناني بحد ذاته وليس اي طرف اخر، فهذا الشعب عندما يقرر ويصمم ويقف راسخا على رجليه معتمدا عن ذاته يستطيع أن يصل الى شاطىء الامان، أما إذا قرر الاعتماد على مساعدات سعودية واماراتية، فعليه أن ينتبه لأن الكلام قد لا يتخطى الوعود من هذه الدول، يقول لاريجاني. فالشعب اللبناني يخط طريقه بنفسه وبطبيعة الحال فإن أصدقاء لبنان بإمكانهم أن يدعموه في مسيرته وطريقه، فعلى سبيل المثال، هناك إمكانات فنية وهندسية لدى الجمهورية الإسلامية في مجال بناء واعداد منشآت الطاقة الكهربائية، ولبنان يعاني حاليا من تقنين في إنتاج الطاقة الكهربائية، وبكل بساطة يمكن للشعب اللبناني إذا أراد، أن يستفيد من هذه الطاقات والخبرات من أجل بناء المزيد من منشآت الطاقة ووضع حد لمشكلة إنتاجها، وكذلك في مجال إنتاج الأدوية فايران حققت اكتفاء ذاتيا في مجال الادوية يصل الى 95 في المئة ولذلك يستطيع لبنان أن يستفيد من الطاقات الايرانية المتاحة في مجال الدواء ايضاً، هذا فضلا عن أن طهران لديها إمكانيات وطاقات متوفرة وغنية في مجال الثروة المعدنية ومواد البناء والمشاريع العمرانية وفي كل هذه المجالات يمكن للبنان ان يتعاون مع ايران.
لا تخجل الجمهورية الاسلامية بدعم حزب الله، فهذا أمر لا تخفيه على الاطلاق، يقول لاريجاني، لكن انشاء محطات إنتاج الطاقة الكهربائية واستيراد السلع الصناعية والزراعية والمعدنية وما يتصل بمجالات اخرى، تعني بالمباشر الدولة اللبنانية وهذا يتطلب تواصلا وتنسيقا وتعاونا رسميا؛ ونحن لا نلزم أحدا بهذا الامر.
ومع ذلك، ثمة من يبدي قلقا من النفوذ الايراني في لبنان وفي المنطقة، ويبدي ارتياحا لما يحكى عن تنسيق روسي – أميركي للحد من هذا النفوذ في سوريا وصولاً الى لبنان، بيد أن لاريجاني نفسه يؤكد لـ"لبنان 24" أن بلاده لا تسعى إلى أي نفوذ، رغم أن البعض قد يستغرب هذه الحقيقة. هناك بعض القوى في العالم التي تعمل على خلق ظاهرة الارهاب، تارة يبادرون إلى خلق حالة إرهابية متطرفة (القاعدة) في أفغانستان، وتارة أخرى يعملون على خلق حالة تكفيرية (داعش) في العراق، وللآسف فإن الشعب اللبنان قد ضاق الأمرين ايضا من التصرفات الإرهابية لبعض المجموعات. وعلى هذا الأساس، لا يخفى أن هناك بعض القوى التي تعمل جاهدة للتصدي لظاهرة الارهاب، وفي هذا الاطار، يجدد لاريجاني التاكيد أن ايران لم تدخل خلسة لا الى العراق ولا الى سوريا، انما بناء على طلب الحكومتين في بغداد ودمشق لمؤازرتهما، فنحن قدمنا المساعدة وكذلك حزب الله ايضا انبرى الى تقديم الدعم لسوريا ونجحنا مع حكومتها والحلفاء في القضاء على افة الارهاب، مع تاكيده ان بلاده لم تبادر الى انشاء قواعد عسكرية في سوريا من اجل ان تمهد الطريق لنفوذ لها هناك، فنحن ليس من ضمن مبادئنا ومفاهيمنا الفكرية ان نقوم بالاستيلاء على الدور السيادي لبلد مستقل ما، لذلك فإن الحديث عن تعاون أميركي روسي من اجل الحد من النفوذ الايراني، يشوبه خلل بنيوي، يقول رئيس مجلس الشورى الاسلامي، فايران اساسا لا تسعى الى مثل هذا النفوذ.