شهد عام 2024 تطورات بارزة في عالم الفضاء، حيث تميز بسلسلة من الأحداث التي أكدت التقدم الكبير في هذا المجال ورسمت ملامح المستقبل.
من أبرز الإنجازات، نجاح مركبة "ستارشيب" التابعة لشركة "سبيس إكس" في أول هبوط ناجح لها، وهي المركبة الأكبر على الإطلاق، والتي تمثل خطوة رئيسية نحو تحقيق أول بعثة بشرية إلى كوكب المريخ.
كما سجلت الصين إنجازًا لافتًا ضمن مشروع "تشانغ إي" الفضائي، حيث أصبحت أول دولة تجلب عينات تربة من الجانب البعيد للقمر، ما عزز مكانتها في سباق الفضاء.
من جهة أخرى، انطلقت مركبة "يوروبا كليبر" التابعة لوكالة "ناسا" في رحلة طويلة إلى قمر "يوروبا" التابع لكوكب المشتري، بهدف دراسة إمكانية وجود حياة عليه، بينما حقق مسبار "باركر" إنجازًا قياسيًا باقترابه من الشمس لمسافة 6.1 ملايين كيلومتر فقط.
مع هذا التقدم المذهل، يستعد العالم لعام جديد مليء بالمهام الفضائية، في ظل تنافس متزايد بين المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في استكشاف الفضاء وابتكار تقنيات جديدة.
التحضيرات الأخيرة على رحلة أرتميس 2
لا يزال العمل في برنامج "أرتميس" المعني بإرسال أول طاقم بشري إلى القمر بعد انقطاع دام لأكثر من 50 عاما، يجري على قدم وساق، مع تحضيرات مكثفة للمرحلة الثانية من المشروع، "أرتميس 2″، وهي المهمة التي سيتكلف بها طاقم من رواد الفضاء بالتحليق عاليا في مدار حول القمر لاختبار أنظمة التحكم والإقلاع بواسطة مركبة الفضاء "أوريون" المخصصة لهذه الرحلة.
بالإضافة إلى أن جميع المكونات الرئيسة لأجهزة نظام الإطلاق الفضائي لصاروخ "إس إل إس" الذي سيقل مركبة الفضاء، تخضع الآن للمرحلة الأخيرة من الاختبار تحضيرا للمهمة القادمة، بما في ذلك معززات الصاروخ الصلبة المزدوجة البالغ طولها تقريبا 65 مترا.
وفي بيان صحفي ألقاه شون كوين، مدير برنامج طاقم "أنظمة الاستكشاف الأرضية" الواقع مقرها في مركز كينيدي الفضائي التابع لناسا، والمعني بتطوير وإدارة كافة الأنظمة والمرافق اللازمة لمعالجة عمليات إطلاق الصواريخ والمركبات الفضائية لمهام أرتميس، يقول كوين: نحن نتطلع إلى عام 2025، حيث ستبدأ الفرق عاما محوريا سنقوم فيه بدمج المعدات الخاصة برحلة "أرتميس 2″، وفي نفس الوقت نعمل على تطوير الأساس للمهام المستقبلية لأرتميس التي ستعيد البشر إلى القمر.
رحلات للقطاع الخاص
ومن المتوقع أن يشهد العام الجديد المزيد من هذه الرحلات بالتعاون مع القطاع الخاص، حيث ستكون الرحلة القادمة "بلو غوست ميشين 1" التي تديرها شركة "فايرفلاي أيروسبيس"، والتي ستنقل 10 أدوات علمية وتكنولوجية، بما في ذلك الدرع الكهروديناميكي للغبار.
هذه التقنية مصممة لإزالة جزيئات الغبار الدقيقة، خاصة في بيئات مثل القمر أو المريخ، حيث يشكل الغبار تحديا كبيرا بسبب لُزوجته الشديدة، وتعتمد التقنية على استخدام الحقول الكهربائية التي تولدها الأقطاب الكهربائية لإنشاء قوى كهربائية متذبذبة تعمل على دفع الغبار عن الأسطح مثل الألواح الشمسية وخوذات رواد الفضاء والمعدات الأخرى.
كما ستعمل شركة "إنتيوتيف ماشينز" على تنفيذ رحلة جديدة إلى القمر، تشمل أول تجربة عملية لاستخراج الموارد القمرية، والتي تشبه عملية تعدين الجليد، ومن المتوقع أن تتم كلا الرحلتين في الربع الأول من العام الجديد.
عين على الكون وأخرى على الشمس
يعمل برنامج خدمات الإطلاق التابع لوكالة ناسا على تعزيز القدرات العلمية من خلال إطلاق 3 مهام فضائية جديدة خلال العام القادم، ومن أبرز هذه المهام إطلاق التلسكوب الفضائي الجديد "سفيرإكس" على متن صاروخ فالكون 9 من قاعدة فاندنبرغ الفضائية.
ويهدف التلسكوب إلى إجراء أول مسح طيفي شامل للكون باستخدام الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء القريبة، وذلك ضمن مهمة تمتد لعامين، حيث سيجمع بيانات عن أكثر من 450 مليون مجرة، إضافة إلى أكثر من 100 مليون نجم داخل مجرة درب التبانة.
عودة إلى القمر عبر بوابة اليابان
تهدف مهمة "ريزيليانس" التابعة لشركة "آي سبيس" اليابانية، والمقرر إطلاقها في كانون الثاني 2025، إلى إرسال مركبة هبوط وروبوت صغير إلى القمر، وستركز هذه المهمة على دراسة تكوين التربة القمرية وخصائصها الفيزيائية، إلى جانب تنفيذ تجربة مبتكرة لفصل الماء بهدف إنتاج الأكسجين والهيدروجين. ستتم هذه التجربة عبر استخراج المياه من سطح القمر، ثم تسخينها وتحويلها إلى بخار، ومن ثم فصل البخار إلى مكوناته الأساسية.
كما ستوفر المهمة فرصة لاختبار تقنيات متطورة تشمل أنظمة ملاحة دقيقة لتحقيق هبوط مثالي، بالإضافة إلى أنظمة تشغيل ذاتية للأجهزة والروبوتات. تمثل هذه الابتكارات خطوة حيوية نحو استكشاف القمر في المستقبل، مع إمكانية تطبيقها في مهام استكشافية أخرى، بما في ذلك الرحلات المستقبلية إلى المريخ.
تأتي هذه المهمة امتدادا للإنجازات اليابانية الأخيرة، بعد نجاح مركبة "سليم" التي هبطت على القمر في آذار 2024، مستعرضة تقنيات متقدمة لتحقيق دقة غير مسبوقة في الهبوط.
وفي هذا السياق، صرّح تاكيشي هاكامادا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "آي سبيس"، عبر بيان صحفي نُشر على الموقع الرسمي: "يسعدني للغاية أن أعلن عن اكتمال تجميع مركبة الهبوط ريزيليانس ودمجها، ونحن ملتزمون بالجدول الزمني المحدد لإطلاقها". ومن المتوقع أن تنطلق المركبة مطلع العام الجديد كما هو مخطط.
أولى محطات الفضاء التجارية
تدخل محطة الفضاء الدولية المراحل الأخيرة من عمرها الافتراضي، ومن المتوقع أن تتوقف عن العمل مع حلول عام 2030، ومع غياب أي نية لدى القائمين على المحطة مثل ناسا ووكالة الفضاء الروسية، لبناء محطة بديلة تحل محلها، فإن هناك خيارات أخرى ظهرت على الساحة لتكون الخليفة المرتقبة، وتعد شركة "فاست" الرائدة في بناء السكن والوحدات الفضائية، أحد أهم المطورين في هذا المجال.
وفي وقت سابق منذ تأسيسها في عام 2021، عهدت الشركة على بناء النموذج الأولي من محطة فضاء مصغرة، "هافن-1″، والتي من المتوقع أن تصبح أول محطة فضاء تجارية في العالم عند إطلاقها في وقت لاحق في عام 2025.
وتمثل "هافن-1" وحدة فضائية واحدة بطول 10.1 أمتار وعرض 4.4 أمتار، وتتسع لـ4 رواد فضاء في وقت واحد، وكانت قد أعلنت الشركة عن تكليف صاروخ فالكون 9 برفع الوحدة الفضائية إلى الفضاء.
مهمة "تيان ون-2".. الصين لا تتوقف!
تمثل مهمة "تيان ون-2" الصينية إحدى الركائز المهمة ضمن برنامج الفضاء الصيني الطموح، إذ تركز على جمع عينات من الكويكبات واستكشاف المذنبات التي تحلق بالقرب من الأرض، ومن المقرر إطلاق هذه المهمة في أيار 2025، ومن المتوقع أن تساهم في تعزيز فهم العلماء لتكوين النظام الشمسي وتطوره، مع الاستفادة من النجاحات التي حققتها الصين في مهمات القمر والمريخ السابقة.
والهدف الأول للمهمة هو الكويكب القريب من الأرض الذي يُعرف بالرمز "469219 كا مو أوا ليفا"، ويدور حول الشمس على مقربة من الأرض، ويبلغ قطره حوالي 40 إلى 100 متر، ومن المحتمل أن يكون جزءا من قمر الأرض قُذف إلى الفضاء نتيجة لتصادم قديم.
وبعد جمع العينات المطلوبة، سيعود مسبار الفضاء "تيان ون-2" إلى الأرض، ثم يتوجه إلى هدفه الثاني وهو المذنب الواقع في حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري، ومن خلال تحليل مواد هذا المذنب، يأمل العلماء في اكتساب مزيد من الفهم حول الظروف التي كانت سائدة في النظام الشمسي المبكر، وربما اكتشاف أصل وجود الماء والجزيئات العضوية على الأرض. (الجزيرة)