الأرجح أن شيئاً لا يشغل «الوكالة الوطنيّة (الأميركية) للفضاء والطيران» («ناسا»)، أكثر من برنامجها المثير الذي يشتهر باسم «العودة إلى القمر» Back to Moon. وقبل وصول الرئيس الشعبوي دونالد ترامب الى البيت الأبيض، عبر علماء في «ناسا» عن خشيتهم من الموقف التقليدي لليمين المتطرف في الحزب الجمهوري (وهو الأقرب إلى ترامب) من التخلي عن برامج أساسية في الوكالة، تحت ذرائع اقتصادية وثقافية وسياسية شتى. ويميل ذلك اليمين إلى عدم دعم البرامج التي تركز على المناحي العلمية «الصلبة» في «ناسا» كبيولوجيا الفضاء وفيزياء الثقوب السود ومحركات البلازما النووية وغيرها. واستطراداً، يميل يمين الحزب الجمهوري إلى دعم برامج أكثر عمليّة مع تفضيل ما يرتبط بالاقتصاد مباشرة.
ويفسر ذلك أيضاً عودة القمر الى السطوع في برامج وكالة «ناسا» في العام 2003، عندما أصدر الرئيس جورج دبليو بوش (وهو من اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري) أمراً رئاسيّاً تنفيذيّاً إلى وكالة «ناسا» بالتركيز على إنشاء قرية تصلح لسكنى البشر على القمر. وآنذاك، عُرِف ذلك البرنامج باسم «العودة إلى القمر»، وهو ما تبناه مجدداً الرئيس دونالد ترامب، على حساب برامج أكثر تعمقاً في أساسيات علوم الفضاء والذرة.
ووفق ذلك التوجه، يعود الأميركيون بروّادهم مجدّداً إلى القمر في العام 2020 لبناء قرى قمريّة تمكنهم من الوصول إلى المريخ. وتجدر ملاحظة أن أميركا اتخذت خطوة أولى في ذلك المجال بإعلانها السيادة الوطنية الأميركية على المنطقة التي هبطت فيها المركبة «أبوللو- 11» ( «بحر السكون») في العام 1969، وسار فيها آنذاك أول رائد فضاء أميركي، وخطا بقدميه على تراب ذلك التابع المنير للأرض.
ماذا عن «جيميني»؟
ضمن آفاق برنامج «العودة إلى القمر»، يتوقع أن تفسح القرى الأميركية عليه المجال أمام جيل المستقبل من مستكشفي الفضاء، بالإقامة المديدة فيها تمهيداً لاستخدامها منصة لإيصال البشر إلى بقية الكواكب السيّارة في نظامنا الشمسي، خصوصاً المريخ.
وفي سياق تلك العودة، شرعت «ناسا» في تطوير برنامج متقدم لبناء مكوك فضاء من نوع جديد. يحمل ذلك المكوك اسم «جيمني»، ومن المقرّر أن يحلّ بديلاً للأنواع المستعملة حاضراً في مكوكات الفضاء، التي بدأ تقاعدها من الخدمة في «ناسا». ويفترض أن يشرع المكوك «جيمني» الذي صنّف كسفينة فضاء متواضعة لكن تملك أهدافاً طموحة جداً، في إرساء قواعد على سطح القمر واستكشاف الكويكبات في الفضاء القريب منه.
واستهل العمل على برنامج («جيمني») في العام 2006، مع التركيز على الاستفادة من هندسة المركبات التي شاركت في برنامج «أبوللو»، وهي سلسلة من سفن الفضاء تمكنّت من إيصال بشر الى القمر في القرن العشرين. ويتوقع أن ينجز المكوك القمري رحلتين ذهاباً وإياباً في كل سنة، مع ملاحظة أنه يتكلف بلايين الدولارات، ويستمر في العمل لقرابة 12 سنة. وكذلك يفترض أن تستطيع طواقمه البقاء على سطح القمر لسبعة أيام، مع العلم أنها تنقل إليه إمدادات تستخدم في تشييد قاعدة قمرية أكثر ديمومة، تتيح للبشر الإقامة على القمر قرابة ستة شهور.
ويستخدم المكوك القمري «جيميني» نوعين من الصواريخ هما «آريس آي» و «آريس في». ويعمل الأول على إيصال مركبة المؤنة والمعدات والإمدادات المتنوعة، فيما يتولى الآخر شأن المركبة التي يستقلها البشر في تلك الرحلات.
والمعلوم أن آخر رائد فضاء أميركي سار بقدميه على تراب القمر هو الطيار الأميركي هاريسون شميت الذي كان على متن مركبة الفضاء «أبوللو- 17» في 12 كانون الأول (ديسمبر) من العام 1972. وللتذكير أيضاً، في 12 تموز (يوليو) 1969، سار رائد الفضاء الأميركي نيل آرمسترونغ على سطح القمر، فأصبح أول كائن بشري تلامس قدماه التربة القمرية، وكان ضمن طاقم مركبة الفضاء «أبوللو- 11» التي تألف طاقمها من ثلاثة رواد فضاء.
وآنذاك، راقبت الأرض بانتباه متوتر تلك اللحظات التي مازالت منيرة في تاريخ علوم الفضاء، وأصغت إلى العبارة الشهيرة التي ردّدها الراحل آرمسترونغ «إنها خطوة صغيرة لشخص، ولكنها قفزة كبرى للبشريّة». ترى ما هي العبارة التي سيردّدها أول أميركي يقيم على سطح القمر؟ لم يعد سماع تلك الكلمات بعيداً!