لم تكن ميادين الرياضة بعيدةً عن العنصريّة، الآفة القديمة التي تتجدّد كل عام من دون إيجاد حلول جذريّة لها.
على مدى سنوات، انتشرت حالات التمييز العنصري في الرياضة، وتزايدت مع تزايد أهمية البطولات الرياضيّة، خصوصاً في ملاعب "المستطيل الأخضر" ذات الشعبية الساحقة.
وعلى الرغم من محاولات المنظمات والاتحادات الدوليّة الحثيثة للحدّ منها، إلا أنّ العنصريّة ما زالت تطلّ بوجهها القبيح على ملاعب كرة القدم، وتتزايد وتيرتها مرّةً بعد أخرى.
انفجار في ليفربول
العنصرية ليست جديدة على جماهير الساحرة المستديرة، فقد اعتاد اللاعبون على الهتافات العنصرية خاصة ممن ينتمون منهم لأصول أفريقية أو عربية، لكن الأزمة تفجّرت مرّة أخرى، في مباراة ليفربول بعد واقعة اعتداء قائد الفريق جوردان هندرسون على المدافع البرازيلي جابريل في أثناء مواجهة أرسنال وليفربول في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وبالعودة الى مجريات المباراة، اشتبك هندرسون مع جابريل بعدما احتسب حكم المباراة ركلة جزاء على نادي ليفربول، ليتحول الأمر إلى معركة بين لاعبي ليفربول وأرسنال داخل أرضية الملعب، حيث وجه لاعب "الريدز" عبارات عنصرية إلى جابريل مما أدى إلى اندلاع الاشتباك بين لاعبي الفريقين.
فينسيوس كـ"القرد"
أما بعيداً في إسبانيا وتحديداً في "ديربي مدريد"، فقد لاحقت العنصرية نجم ريال مدريد فينسيوس جونيور حيث تعرّض لهجوم عنصري من بيدرو برافو رئيس رابطة وكلاء اللاعبين الإسبان، فقد قال خلال تصريحاته لبرنامج "إل شيرينغيتو" الرياضي: "إن على فينيسيوس التوقّف عن الرقص في احتفالاته بالأهداف كالقرد".
أما لاعب أتليتكو مدريد كوكي، فحذرّ فينسيوس قائلاً: "سيواجه مشكلة بحال احتفاله على طريقته المعتادة في ملعب واندا ميتروبوليتانو، وهذا أمر مؤكد وعادي للغاية".
هذه الحوادث وأكثر، تُنذر بأن النمط والسلوك المتبعين في المدرجات وبين اللاعبين، بات مثيراً للقلق بوضوح شديد، خصوصاً مع اقتراب صافرة كأس العالم قطر 2022، فملاعب هذه الدولة العربية ستضم حشداً جماهيرياً هائلاً من مختلف العالم، وهذا ما يثير القلق أكثر، فبعض الجماهير معروفة بعنصريتها وتعصبها.. فهل سيشهد مونديال قطر 2022 عنصرية؟
عنصرية ضد "مونديال قطر"
كان من المتوقع أن يشهد مونديال قطر 2022 هتافات وإساءات عنصرية، في ظل تعصب بعض الجماهير الاوروبية، لكن هذه الظاهرة بدأت سريعاً حتى قبل بداية البطولة. فقد ارتفعت أصوات الكراهية من قبل بعض الجماهير التي أعلنت مقاطعتها كأس العالم، بسبب تواجد البطولة على أرضٍ عربية.
من جانب آخر، تصاعدت مطالبات من قبل بعض اللاعبين بمقاطعة البطولة. وبدأت حملة المقاطعة من منتخب ألمانيا، حيث أعلن المدافع فيليب لام أنه سيقاطع البطولة لأنها "لا تحترم المعايير الإنسانية"، فيما رأى المدرب هانز فيلك أن "قطر لا تستحق استضافة البطولة، لأن الأمر يتعلق بالإنسانية".
ووصلت هذه الحملة إلى باريس، حيث أعلنت بلدية العاصمة أنها لن تقوم ببث مباريات كأس العالم في قطر على شاشات عملاقة، لتنضم بذلك إلى حملة المقاطعة التي بدأتها عدة مدن فرنسية ضد المنافسة الكروية المنظمة في الدولة الخليجية.
ازداوجية معايير
بعد هذه المواقف، أزيح الستار عن الوجه الحقيقي لبعض المشجعين، وبدا واضحاً أن ازدواجية المعايير والعنصرية ما زالت متأصلة في الجذور.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث في الشؤون الرياضية سعيد خليل عبر "لبنان 24"، إن "العنصرية ضد قطر ممنهجة"، مشيراً الى أن "الحملات الشرسة ضدها شُنّت، لأن قطر منعت تناول الكحول خلال المباريات، وسمحت بها في أماكن محددة، وفرضت لباساً لائقاً يناسب عاداتها".
ويعترض خليل على ازدواجية المعايير، ويضيف: "نفاق البعض يؤكد لنا أن أيديولوجيتهم لن تتغير مهما تطورت وتقدمت البشرية".
وبعد حملات التشويه هذه، أكدت قطر أن بطولة كأس العالم 2022، ستشكل فرصة لتعزيز قيم الاحترام، والتنوع الثقافي، والتسامح، والاندماج الاجتماعي للجميع.
ويقول خليل عبر "لبنان 24" إن "قطر خطت خطوات متقدمة في إطار جهودها لتعزيز قيم المساواة ومكافحة العنصرية والتعصب ونشر خطاب التسامح وقبول الآخر، حيث اعتمدت العديد من التدابير بما يتوافق مع قيم ومبادئ إعلان وبرنامج عمل "ديربان" المكافح للعنصرية، وهذا ما يطمئن من ناحية اجراءات قطر لهذه الظاهرة".