أثار هروب لاعب منتخب مصر في المصارعة الرومانية، أحمد فؤاد بغدودة، جدلا واسعا بعد اختفائه عقب مشاركته في بطولة أفريقيا في مدينة الحمامات بتونس.
واقعة هروب الرياضيين المصريين التي تكررت في الآونة الأخيرة، أعادت تسليط الضوء مجددا على مشاكل الاتحادات الرياضية في مصر، سواء في ما يتعلق بنقص التمويل أو انخفاض المرتبات.
وقال والد لاعب المصارعة، فؤاد بغدودة، لموقع "الحرة" إن ابنه كان بطلا شغوفا برياضته، لكن سوء الأحوال وضياع مجهوده وسنوات عمره من دون أي مقابل أو تقدير دفعه للهروب خارج مصر.
وأضاف والد بغدودة أنه كان "طول الأعوام الماضية يتحمل نفقات رياضة ابنه حتى لا يحرمه منها، رغم مصادر دخله المحدودة، موضحا أنه رجل بسيط يعمل سائق توكتوك، ولديه طفلان بخلاف أحمد".
وأكد والد اللاعب عدم علمه بخطة ابنه للهروب، لكنه طالب المسؤولين الذين يهاجمون ابنه عبر وسائل الإعلام بأن يضعوا أنفسهم مكانه ويقولون كيف يمكنهم إعالة أنفسهم بالمبلغ الذي كان يحصل عليه ابنه شهريا وهو 2200 جنيه وذلك منذ شهرين فقط، نافيا حصول ابنه على 7 آلاف جنيه بحسب ما يشاع.
وعبر بغدودة عن غضبه من تصريحات المسؤولين، قائلا إن "ابنه لم يتلق أي راتب منذ أكثر من 12 عاما في الاتحاد، مؤكدا أن الإيصالات التي بحوزته تثبت كلامه، مشيرا إلى أنه تلٍقى مكافأة قدرها 16 ألف جنيه وخصموا منه 14800 جنيه بحجة الضرائب ولم يحصل في النهاية سوى على 1200 جنيها".
وتحدث الوالد عن حزنه من ابتعاد ابنه عنه وعن بلده، وقال إنه لا يعلم متى سيراه ثانية، لكن لا أحد يكترث بهذا الأمر، وكل ما يرغبون به هو تشويه صورته، بحسب قوله.
وقبل أحمد بغدودة، في أغسطس 2022 هرب لاعب منتخب مصر للمصارعة الرومانية تحت 17 سنة، محمد عصام، بعد انتهاء بطولة العالم للمصارعة للناشئين في إيطاليا.
وسبقه هروب لاعب منتخب الشباب للمصارعة الحرة، أحمد حسن بوشا، في أغسطس 2017، بعد المشاركة في بطولة العالم التي أقيمت بفنلندا. وبعد عامين من الواقعة، تحديدا عام 2019، هرب شقيقه حسن حسن بوشا أيضا خلال بطولة العالم التي أقيمت بالمجر.
وقبل ذلك، هرب المصارع طارق عبد السلام لاعب المنتخب الوطني، إلى بلغاريا، في عام 2016.
وتحدث المهندس ولاعب المصارعة السابق، كريم أبو أسعد، الذي يعمل مدرب مصارعة، لموقع "الحرة"، وقال إنه طبيعي "أن ينفد صبر لاعبينا بسبب التقصير الإداري لكثير من الأجهزة الإدارية والفنية بالاتحادات، ويستغلون أي فرصة للهروب إلى أي دولة يرغبون بها، والتي دائما ما تكون على اتصال باللاعبين المميزين والترتيب معهم لحين أقرب فرصة للهروب، سواء إلى دولة أوروبية أو عربية كما حدث من قبل".
وقال أبو أسعد إن هناك أمثلة كثيرة، ورغم ذلك ما زالت الاتحادات تتجرع مرارة الأمر دون أي رد فعل واضح أو إجراءات استباقية لتحسين مستوى الظروف المحيطة باللاعبين، سواء ماديا أو فنيا، للقضاء على فكرة الهروب وإغراءات الأموال.
وتحدث أبو أسعد عن طارق عبد السلام لاعب المنتخب الوطني للمصارعة المشهور بت"لاعب الشاورما"، قائلا إنه "كان يعاني من إهمال مسؤولي اتحاد اللعبة، بعد رفضهم تحمل نفقات علاجه".
وأضاف أن عبد السلام اضطر لأن يغادر إلى بلغاريا وعمل بائعا في إحدى محلات الشاورما، وحصل على الجنسية البلغارية عن طريق زوجته، حتى انضم للمنتخب البلغاري وشارك معه في بطولة أوروبا وحصد الميدالية الذهبية، لكنه رفع علم بلغاريا بدلا من العلم المصري بسبب تعنت مسؤولي الاتحاد رغم تصريحاته بأنه كان يتمنى أن يرفع علم مصر.
ويحكي أبو أسعد أنه قرر الاعتزال بعدما عانى بنفسه من إهمال مادي وطبي وفني من جانب الاتحاد، قائلا إنه من أسرة ميسورة ماديا، ورغم ذك قرر الاعتزال حتى يستطيع التركيز على مهنة أخرى تمكنه من الإنفاق على نفسه وأسرته.
"ضعف المردود المادي بالإضافة إلى تردي منظومة الطب الرياضي في الاتحادات الرياضية بخلاف كرة القدم " اعتبرهما أبو أسعد، هما ما دفعاه والعديد من المصارعين الآخرين للعزوف عن ممارسة المصارعة أو أي رياضة أخرى في مصر.
وقال إن فكرة انتظار اللاعب بغدودة ليحصل على الميدالية الفضية، ثم يهرب بعدها، هي صفعة في وجه الاتحادات الرياضية المصرية، التي تريد أن تتخلى عن مسؤوليتها أمام هؤلاء اللاعبين والمواهب النادرة حول العالم.
وتحدث عن "عدم وجود رغبة حقيقية من الدولة لحل مشاكل الاتحادات أو زيادة الميزانية، ولا يفعلون شيئا سوى مهاجمة اللاعبين بعد هروبهم ناسيين أنهم هم الضحايا الحقيقيون، ولذلك فإن النتيجة الطبيعية هي هروب الأبطال والمواهب للدول التي ستقدرهم بالفعل".
وفي أول تحرك برلماني بخصوص الواقعة، تقدم النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب رئيس حزب العدل، الاثنين، بطلب إحاطة لوزير الشباب والرياضة بشأن هروب بغدودة.
وقال إمام في طلب الإحاطة إنه "لم تكن هذه هي واقعة الهروب الأولى للاعبين، وطالب إحاطة البرلمان بأسباب تكرار هذه الوقائع والإجراءات التي تتبعها الوزارة لمنع تكرارها، والتي يدل تكرارها على عدم اهتمام الوزارة بالتزاماتها السياسية والتنظيمية لدعم ورعاية الموهبين رياضيا".
وقال سكرتير الاتحاد المصري للمصارعة، محمود السيد، إن الأمر كان مخطط له جيدا من قبل بغدودة، موضحا أنه انتظر حتى حصل على الميدالية الفضية في وزن 63 كيلو مع المنتخب، ثم هرب إلى فرنسا.
وأضاف أن بعثة مصر كانت تتجه، السبت، من مدينة الحمامات التي احتضنت المنافسات إلى تونس العاصمة للعودة إلى القاهرة، لكن اختفاء اللاعب دفع البعثة للعودة للبحث عنه، لكن فشلت جميع المحاولات في العثور عليه.
وبشأن تكرار الواقعة مع عدد من الرياضيين المصريين في السنوات الأخيرة، قال السيد إن اللاعبين الشباب أصبح صبرهم قليل، ويبحثون عن المال والشهرة بشكل سريع، ويتوقعون أنهم سيجدون ذلك في الخارج، لكن الواقع يقول إن معظم الرياضات، باستثناء كرة القدم، لديها تمويل محدود وتعاني من عدم الاهتمام.
ونفى السيد ما يُقال في وسائل الإعلام بأن بغدودة لا يتلقى راتبا، وقال إنه يحصل على راتب شهري 7 آلاف جنيه، وهو ما نفاه والد الرياضي بغدودة.
وأوضح أن الواقع يؤكد أن القوانين لن تمنع الحد من هذه الظاهرة، فاللاعب الذي يرفض تمثيل وطنه ويفضل بلدا آخر، لا يمكن أن تردعه أي قوانين أو تهديدات بعدم ممارسة الرياضة مثلا، فالأمر أكبر من مجرد بطولة رياضية، فالقصة تتعلق بالانتماء وحب الوطن "المفقود" لدى هؤلاء الهاربين، بحسب رأيه.(الحرة)