ربما دائما يمرّ على جماهير كرة القدم هذا المشهد: "لاعب أُصيب بأزمة قلبيّة خلال المباراة وسقط على الأرض فجأة!". ولا ينتهي الرعب هنا، بل يستمرّ حتى الإعلان عن وفاته، أو أنه وقع في دائرة الخطر.
تمامًا، هذا ما شهدته ملاعب المستديرة في الفترة القليلة الماضية، إذ لا يمرّ شهر تقريبًا، من دون أن تتوارد أنباء تفيد عن استمرار حصد الموت للاعبي كرة القدم من مختلف الأعمار. ويكون القلب عادة هو السبب.
خوان إزكيردو، لاعب مدافع الأوروغواي، كان آخر من فقدته الرياضة، وتحديدًا في نهاية الشهر الماضي. سقط على أرض الملعب فجأة دون احتكاك مع أي لاعب آخر خلال مباراة وتوفي لاحقًا نتيجة لموت دماغي، بعد توقف القلب والرئة المرتبط بعدم انتظام ضربات القلب.
لماذا يموت لاعبو كرة القدم فجأة في الملاعب؟
التشخيص الطبي في هذه الحالات يتشابه في معظم الأحيان. ولعلّ تضخّم عضلة القلب (اعتلال عضلة القلب الضُخامي) الحالة الوراثية التي لا يتم تشخيصها سابقًا، تُعد السبب الأكثر شيوعًا لتوقف القلب المفاجئ أثناء ممارسة نشاط بدني، وأحيانًا دون بذل أي مجهود. إذ تسبب نمو عضلة القلب بشكل مفرط، مما يصعّب على القلب ضخ الدم ويؤدي لزيادة سرعة نبضاته، وفق ما قاله دكتور الصحة العامة حسين هواري. وفي حديث لـ "لبنان24"، شرح الهواري الأسباب أكثر، ولفت إلى اضطراب الإشارات الكهربائية في القلب. فالنبضات القلبية السريعة المفرطة تجعل البطينين ينقبضان بشكل متسارع وغير منسّق، الأمر الذي يعوّق القلب عن ضخ الدم إلى سائر الجسم. وتُسمى هذه الحالة الخطيرة لاضطراب نبض القلب بـ "الرجفان البطيني". بالإضافة إلى مُتلازمة " QT الطويلة" التي تسبِّب اضطراب نظم القلب، وقد تؤدي للموت المفاجئ لدى الرياضيين الشباب.
هل يمكن الوقاية من حالات الوفاة المفاجئة؟
عادة، يخضع لاعبو كرة القدم للعديد من الفحوصات والتحاليل والأشعة عند الانضمام إلى فريق جديد، للاطمئنان على حالتهم الصحية ومدى كفاءتهم وقدرتهم على بذل مجهود بدني مناسب لمنافسة الأندية الأخرى. وبالرغم من ذلك، لا زالت الملاعب تفقد المزيد من اللاعبين بشكل فجائي. ولكي لا تخسر الرياضة أكثر من ذلك، يشدد الدكتور هواري على التأكّد من وظائف القلب لكل لاعب وكيفية عمله في أثناء الجهد البدني، وسرعة نبضاته، للتأكّد من سلامته وقدرته على التحملّ، بالإضافة إلى قياس سرعة الأوكسيجين للتأكد من عمل الرئتين والجهاز التنفسي.
ماذا عن الضغوط النفسية.. هل تؤثر على صحة اللاعب؟
لا يختلف خطر الضغوط النفسية كثيرًا عن الإصابات التي تواجه لاعبي كرة القدم، وربما في بعض الأحيان تنهي مسيرتهم الكروية مبكرًا. وهذا فعليًا ما حدث لـ أحمد رفعت نجم الكرة المصرية. فـ أحمد (31 عامًا) سقط على أرض الملعب في آذار الماضي مغشياً عليه، بسبب أزمة قلبية حادة تعرّض لها. وبعد حصوله على الرعاية الطبية المناسبة، عاد للحياة، لكن قلبه "خانه" مرّة أخرى بسبب "ضغوط نفسية"، ليغادر هذا العالم.
وكان اللاعب صرّح في لقاء تلفزيوني أنه تعرّض لضغوط نفسية عصبية قبل 3 أسابيع من الحادثة، وهو ما يُعرف طبيًا بمتلازمة القلب المنكسر، والتي يمكن أن تحدث مشكلات نفسية كبيرة أخطرها جلطة القلب التي تؤدي للوفاة.
وكشف مصدر مطلع على ملف رفعت لـ "لبنان24"، أن اللاعب الراحل تعرّض لأزمة تخص تصريح السفر الخاص به، وأصبح لديه قضية هروب من التجنيد في القضاء العسكري، الأمر الذي سبب له أزمة نفسية.
وعن تأثير الأزمات النفسية على صحة اللاعبين، أكدت أخصائية علم النفس الرياضي ناتالي جبيلي لـ "لبنان24"، أن الحالة النفسية تؤثر بشكل كبير على صحة الرياضي، وقد تدفع في بعض الأحيان نحو الوفاة. فالمستويات المرتفعة من التوتر والقلق وحتى الإكتئاب، يمكن أن تزيد من مخاطر الاصابة بأزمات قلبية قاتلة أو السكتة الدماغية.
وأكدت أن اللاعب مُعرّض لمعظم اضطرابات الصحة العقلية، وخاصة قبل وأثناء وبعد المنافسات الكبرى مثل كأس العالم والأولمبياد وغيرها من البطولات، مشيرة في الوقت نفسه إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً بارزاً في زيادة الضغط النفسي على اللاعبين.
وانطلاقًا من كل ما سبق، شدّدت الأخصائية في علم النفس الرياضي على ضرورة التوجه للطبيب النفسي، لأن معالجة المشاكل النفسية مهمة كالجسدية، خصوصًا في ظل ما نعانيه في عالمنا حاليًا من ضغوطات وعوائق يومية، لافتة إلى أهمية وضع المؤسسات الرياضية بروتوكولات للإحالة للصحة العقلية، ولضمان توفير رعاية الصحة النفسية من جانب متخصصين مؤهلين لتوفير بيئة تدعم الرفاه العقلي للاعبين.