إذا سكتت قليلا ووجهت تركيزك إلى الأصوات من حولك فستجد أن حولك الكثير من الضجيج الذي لا ينقطع، وعندما تُسكِت جميع هذه الأصوات ستكتشف مدى انزعاجك منها، ومع التعود على هذه الضوضاء المستمرة في خلفية حياتنا قد لا نفكر في مدى تأثيرها السلبي علينا وكيف نحتاج حقا إلى الاستمتاع بالصمت أحيانا.
ويسبب التعرض للضوضاء على المدى الطويل مشاكل صحية عدة، منها ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب ومشاكل النوم وطنين الأذن، كما قد يسبب الإصابة بالإجهاد والقلق والاكتئاب والإعياء.
ولتجنب هذه الأضرار يجب أن يكون قضاء بعض الوقت في صمت وبعيدا عن المشتتات إحدى الأولويات خلال اليوم.
وإليك عددا من فوائد الصمت والسكون..
تهدئة الأفكار المضطربة
الانشغال والتفكير طوال الوقت يملآن أدمغتنا بسيل من الأفكار التي لا تتوقف، ولإيقاف الأفكار المتسارعة في رأسنا قد نحتاج للتوقف لحظة والجلوس في هدوء وإسكات الأصوات الداخلية والخارجية.
وبالتدريب على الجلوس في صمت لتهدئة الأفكار المشتتة يمكن أن يساعدك ذلك على تعلم اليقظة والوجود في اللحظة الحالية وعدم الاسترسال مع التفكير المفرط.
وقالت اختصاصية علم النفس سوبريا بلير لموقع "هيلث لاين" (Healthline) إن "الوجود في مكان هادئ يساعد على التوقف عن بذل الطاقة العقلية في أشياء غير ضرورية وتهدئة عجلة الأفكار المتلاحقة في الرأس".
تنمية الوعي الذاتي
يساعد الصمت على زيادة الوعي الذاتي من خلال منح الفرصة لملاحظة الأفكار والمشاعر وتقبلها، كما يساعد على زيادة الوعي بالجسم والعقل، فهو فرصة للتعرف على ما تشعر به ولماذا تشعر بذلك وما يمكن فعله تجاه هذه المشاعر.
خفض ضغط الدم
يطلق على ارتفاع ضغط الدم اسم "القاتل الصامت"، إذ قد يصيب الشخص لسنين دون أن يعطي علامات تحذيرية ولا يُكتشف إلا بعد حدوث أضرار جسيمة، وربطت دراسة نشرت في موقع جامعة أكسفورد البريطانية الوجود في بيئة صاخبة طوال الوقت بزيادة معدل ضربات القلب وضغط الدم.
وقد تندهش عند معرفة أن إحدى الفوائد الكبرى للصمت والهدوء هي الحماية من التعرض لهذا التهديد، إذ يساعد على خفض ضغط الدم.
ووجدت دراسة نشرت في "المكتبة الوطنية للطب" أن الصمت لمدة دقيقتين عقب الاستماع إلى الموسيقى يساعد بشكل كبير على خفض معدل ضربات القلب وضغط الدم، وأيضا كان للصمت تأثير إيجابي أكبر على صحة القلب عند مقارنة تأثيره بتأثير سماع الموسيقى الهادئة.
تخفيف التوتر
قد تكون شعرت من قبل بالإجهاد أو الانغماس في المشاعر خلال وجودك في حفل موسيقي صاخب أو عند الوجود في مكان مزدحم مليء بالناس والأصوات المتداخلة.
ذلك الشعور له أساس فسيولوجي، ويفسر ذلك عالم النفس الإكلينيكي مارتين برونتي بالقول "الوجود في مكان به ضوضاء مزعجة لفترة طويلة يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالإجهاد الذهني ويحفز الإفراز الزائد لهرمون الكورتيزول"، وهو هرمون يفرز عند الشعور بالتوتر.
وأضاف برونتي أن ارتفاع مستوى الكورتيزول يمكن أن يؤدي إلى "زيادة الوزن والشعور بالإرهاق الشديد وصعوبة النوم والأمراض المزمنة".
تحسين جودة النوم
يؤثر الضغط العصبي الناتج عن الضوضاء سلبا على نومنا وشعورنا بالراحة، ويمكن أن يؤدي إلى الإصابة باضطرابات النوم والأرق كما ذكرت جامعة أكسفورد.
وأضاف عالم النفس برونتي أن "الصمت وفترات الهدوء خلال اليوم يساعدان على تخفيف التوتر، مما يعزز الرفاه النفسي والشعور بمزيد من الاسترخاء بشكل عام وتحسين جودة النوم".
تقوية التركيز
يتطلب التركيز أعلى مستوى من الهدوء دون أي مشتتات، وفي دراسة نشرت عام 2021 في المكتبة الوطنية للطب أجرى المشاركون مهام تتطلب التركيز، وانقسموا إلى مجموعات تعمل إما في صمت أو خلال التحدث مع الآخرين أو في مكان به ضجيج.
ووجدت الدراسة أن من قاموا بمهامهم في صمت بذلوا أقل مجهود عقلي، وأبلغوا عن أقل مستوى من الضغط النفسي مقارنة بالآخرين.
تعزيز الإبداع
تصفية ذهنك من الضوضاء والمحفزات يمكن أن تكون مفتاحك لزيادة قدراتك الإبداعية.
وتقول اختصاصية علم النفس سوبريا بلير إن "تعلم معالجة أفكارنا وتهدئة عقولنا يساعد على إفساح المجال للتفكير الإبداعي والاستلهام".
وذكرت المؤلفة ماجي دينت في كتابها "إنقاذ أطفالنا من عالمنا الفوضوي" أن الإبداع يعتبر إحدى أهم النتائج الإيجابية للصمت والسكون، إذ يحتاج الإلهام أن يكون العقل هادئا.
تحسين القدرة على التعلم
يساعد الصمت على معالجة المعلومات الجديدة والاحتفاظ بها، وفي المقابل تعيق الضوضاء المفرطة عملية التعلم واستيعاب المعلومات.
وذكر موقع مركز جامعة بيتسبرغ الطبي أن مستوى التعرض للضوضاء يؤثر على قدرات الطفل التعليمية، وعندما يتعرض الصغار لمستويات عالية من الضوضاء ينخفض أداؤهم المدرسي ويعانون من انخفاض مستويات التركيز.
تنمية مهارات الاستماع
التعود على الجلوس في هدوء وممارسة الصمت له فوائد اجتماعية أيضا، منها أن تصبح مستمعا أفضل وتكسب احترام الآخرين وثقتهم.
وذكر جوليان تريغر -وهو أحد المحاضرين الدوليين عن مهارات الاتصال والاستماع والتحدث- في إحدى محاضراته على منصة "تيد" (TED) أن إحدى الأدوات الفعالة التي تساعد على تحسين الإنصات الواعي هي الصمت.
وأضاف أنه يمكن بدء التدرب على ذلك بالجلوس في هدوء لمدة 3 دقائق خلال اليوم للتعود على الصمت وتنمية القدرة على الاستماع.
ويتجنب البعض الجلوس في الهدوء التام لأسباب عدة، إذا كنت كذلك يمكنك البدء بخطوات بسيطة، مثل ممارسة دقيقتين فقط من الصمت كلما تذكرت احتياجك للهدوء، ثم قم بزيادة هذه المدة تدريجيا. (الجزيرة)