لم تعد متابعتنا لحياة المشاهير ونجوم الفن تقتصر على مشاهدة أعمالهم الفنية وآخر صيحات الموضة التي يتبعونها، أو تتبع لقاءاتهم الصحفية أو التلفزيونية وخطواتهم على السجادة الحمراء في الأحداث الفنية الكبيرة، بل تحول الاهتمام بمتابعة أخبار المشاهير إلى جزء يومي أو شبه يومي من حياة البعض.
حياة مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يحظون بمتابعة مئات الآلاف بل والملايين، أصبحت جزءا من اهتمامات البعض؛ لدرجة أن ذكر اسم أحدهم في جلسة سمر مع الأصدقاء بات أمرا عاديا، وأصبح مادة خصبة للحديث عن آخر مستجدات حياتهم، وما اقتنوه مؤخرا أو آخر مكان سافروا إليه، أو تفاصيل خلافاتهم مع مشاهير آخرين.
فلماذا تهتم شريحة واسعة من الناس بمتابعة حياة المشاهير؟ ما العوامل النفسية التي تدفعهم إلى ذلك؟
الفضول لمتابعة حياة مختلفة
بطبيعة الحال، وجد بعض المشاهير طريقهم إلى الشهرة والثراء بعيدا من دون مساعدة وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أن البعض الآخر كانوا أناسا عاديين يعيشون حياة تقليدية، إلا أن حدثا معينا في حياتهم وضعهم على قائمة "مشاهير السوشال ميديا"، وجعلهم محط اهتمام الجمهور الذي يتملكه الفضول لمراقبة التطور الذي طرأ على حياتهم.
يشعر بعض الناس بالأمل عند متابعتهم لأشخاص عاديين تحوّلت حياتهم إلى الأفضل فجأة، مما يبعث فيهم نوعا من الرضا والاطمئنان والرجاء بأن تتحسن ظروف حياتهم، وأن يحالفهم الحظ في تحقيق الشهرة والثراء مثل المشاهير الجدد. في هذه الحالة، يكون فضول المتابعة مرتبطا بالنمط المتوقع أن يعيشه المتابع حال حالفه الحظ.
السلم الاجتماعي والتسلسل الهرمي
يقول عالم النفس التطوري بجامعة ميشيغان البحثية الأميركية، دانييل كروغر، إن الاهتمام بأخبار المشاهير بدأت منذ وقت طويل، بل إنها ظاهرة وجدت حتى في مجتمعات الصيد القديمة، ويعتقد أن التسلسل الاجتماعي الهرمي يجعل الأفراد يتطلعون بفضول إلى حياة الآخرين الأكثر شهرة أو ربما أهمية في مجتمعاتهم.
كروغر قال -لموقع "لايف ساينس" (LiveScience) العلمي- إن بعض الناس في المجتمعات السالفة اهتموا بأخبار الملوك والأمراء سواء لمعرفة أخبارهم أو لاستمداد الإلهام من سلوكهم، وضرب مثالا بسيطا لا يزال قائما إلى الآن حول اختيار اللون الأبيض لفستان الزفاف، وقال إن من بدأته كانت الملكة فيكتوريا عام 1840، ثم أصبح تقليدا بسبب رغبة بعض أفراد السلم الاجتماعي في الترقي للطبقة الأعلى منهم، وتم توارث هذا التقليد إلى درجة أنه لم يعد معروفا من أين بدأ.
علاقة من طرف واحد
في المادة العلمية نفسها، ربط فرانك مكاندرو -عالم النفس الاجتماعي والأستاذ في كلية نوكس الأميركية- بين الاهتمام بأخبار المشاهير ونظريات التطور الاجتماعي أيضا، إذ يرى أن أسلافنا عاشوا في مجموعات صغيرة، لذلك كان من المهم والمعتاد بالنسبة إليهم أن يعرفوا أخبار هذه المجموعة، وأن الاهتمام بهذه الأخبار نابع من الآليات نفسها لتطور النميمة التي طورها أسلافنا أو الفضول في المجتمعات الصغيرة لمواكبة ومعرفة تفاصيل حياة أعضاء المجموعة.
في حين ترى نظريات أخرى أن هناك علاقة من طرف واحد مبنية بين المشاهير والجمهور، فيشعر الجمهور فيها أن هناك علاقة تشبه علاقة الصداقة أو القرابة أو الجيرة تربطه بالمشاهير، تماما مثل العلاقة التي قد يبنيها مع جار بعيد عنها لكنه يعرف آخر أخباره الصحية أو العائلية أو زواجه أو طلاقه من دون أن تجمعهم علاقة مباشرة.
البحث عن الأفكار
قد يكون أحد دوافع متابعة أخبار المشاهير أيضا نابعا من الرغبة في اكتشاف نمط آخر من الحياة يخلو من الممل أو الرتابة -مثلما يرى الجمهور حياتهم- مما يدفعهم إلى متابعة حياة مليئة بالإثارة والرحلات والسفر أو حتى الخلافات والمشاكل المثيرة.
وقد أجرى باحثون استطلاعا على نحو ألف مستخدم ومتابع على 5 منصات وسائط اجتماعية (فيسبوك، وإنستغرام، ويوتيوب، وسناب شات، وتويتر)، لتحديد أسباب متابعتهم المشاهير عبر هذه المنصات، ونشر الباحثون نتائج البحث في مجلة "جورنال أوف أدفرتايزنغ ريسرش" (Journal of Advertising Research).
وخلص هذا البحث إلى أن نحو 32% من متابعي المشاهير يبحثون عن الأفكار، و17% آخرين يبحثون عن الإلهام والأفكار إلى جانب الترفيه، وهذا يعني أن نحو نصف المشاركين في الاستطلاع كانوا بشكل أو آخر يبحثون عن الجديد ويستكشفون حياة هؤلاء المشاهير، لكن كان هناك جزء آخر يبحث عن الترفيه الصِرف بنسبة 13% من المشاركين، بالإضافة إلى الـ17% السابقين الذين جمعوا الترفيه مع حب الاستكشاف.
رؤية الوجه الآخر لحياة المشاهير
بالنسبة لبعض الأشخاص، قد يكون دافعهم في متابعة أخبار المشاهير نابعا من الرغبة في النظر إلى الجانب غير المشرق في حياة المشاهير، حيث يعانون من صعوبات وعوائق، إذ تكون رؤية الجانب غير المثالي من حياة المشاهير السلسة مرضية بالنسبة لهم، حيث يصلون إلى خلاصة مطمئنة أو مرضية بشكل أو آخر أنه حتى من هم أكثر شهرة أو ثراء يعانون صعوبات يعاني منها المتابع أيضا.
متابعة أخبار خفيفة تبعدنا عن المآسي
ليس جمهور الشبكات الاجتماعية وحده من يهتم بأخبار المشاهير، بل وسائل الإعلام والصحف والبرامج التلفزيونية كذلك تهتم بأخبارهم، حتى إن عددا لا بأس به من البرامج يُنتج خصيصا وحصرا لمتابعة أخبار وحياة المشاهير، وتقدمها لجمهورها الذي يتابع أخبار المشاهير عبر حلقة اتصال غير مباشرة. والسبب في ذلك ربما أن هذه الأخبار تشكل مادة ترفيهية خفيفة وسهلة في الإنتاج، وتبتعد أيضا عن المآسي وأخبار الكوارث والحروب والجرائم والمشاكل الاجتماعية اليومية.
وإذا عدنا مثلا إلى فترة صعود برامج تلفزيون الواقع -التي تركز على استعراض حياة المشاهير أو جزء منها- نجدها جاءت في خضم أزمة اقتصادية ضربت العالم عام 2008، حين قُدم عدد من برامج تلفزيون الواقع، مثل برنامج رجل الأعمال البريطاني آلان شوغر، وبرنامج الواقع البريطاني "دراغون دين" (Dragons’ Den) لصغار المستثمرين ورواد الأعمال، باعتبارها برامج تساعد الناس على اقتباس الأفكار والإلهام من حياة مشاهير وعصاميين ورواد أعمال نجحوا في ظل أزمة عالمية، يظهرون على الشاشة ليقدموا نصائحهم إلى أناس عاديين في خضم أزمة اقتصادية عالمية، كما كان هذا النوع من البرامج أكثر خفة في الإنتاج من البرامج التي تثقل المتابعين بالأخبار السيئة، وكانت كذلك بمثابة بارقة أمل ومصدر إلهام وترفيه، كما أشارت صحيفة "ذا غارديان" (The Guardian) البريطانية.
جانب نقدي وأسباب أخرى
بالإضافة إلى الأسباب السابق ذكرها، هناك جانب نقدي لدى شريحة من الجمهور المتابعين لحياة المشاهير، وهي محاولة إثبات نظرياتهم حول عدم جدوى -وربما فراغ- أسلوب حياة هؤلاء المشاهير والأثرياء، لذلك يحبون أن يبقوا على اطلاع على هذه الحياة، للبحث عما يدعم نظرياتهم النقدية لهذا النمط من الحياة.
وفي الختام، صحيح أن بعض هذه التحليلات والتوقعات قد تكون متطابقة ولو بنسبة مع شريحة من جمهور المشاهير، لكنها ربما لا تكون كذلك مع البعض الآخر، وذلك نظرا لاختلاف الدوافع والأفكار والمعتقدات الموجودة لدى الجمهور، وأيضا لتنوعه وتوزعه في شرائح مختلفة، تماما مثل المشاهير الذين يتابعونهم، إذ لا يمكن وضعهم جميعا في خانة واحدة. "الجزيرة"