أقيمت في إطار فعاليات "المهرجان اللبناني للكتاب" في نسخته الثانية والأربعين،
ندوة عن اليوبيل ال325 سنة للرهبانية الأنطونية المارونية (1700- 2025) أدارتها الدكتورة نايلة أبي
نادر، وشارك
فيها كل من البروفسور
الأب سليم دكاش اليسوعي، الأستاذ سهيل مطر والدكتور عماد مراد.
كما تم تكريم النقيب رشيد درباس بإدارة من المحامي
جورج بارود وتقديم من الدكتور هنري زغيب والمحامي شوقي ساسين.
الرهبانية الأنطونية
بداية قالت أبي نادر: "في وقت تعلو فيه من حولنا صرخات الألم والهلع، وتحتشد الجماعات المنكوبة في ساحات ملطخة بالظلم والاستكبار، نرى
الحق يغتسل بنهر الدموع ويلملم ما تبقى له من أمل في غد أفضل، يسود فيه العدل والكرامة والأمان. في وسط ما يحيط بنا من سواد، وفي خضم ما يضرب مجتمعاتنا من أمواج عاتية تهدد البقاء وتشعل في الأعماق القلق على المصير، والسؤال عن
المستقبل، نلتقي اليوم لنحط الرحال عند مناسبة مشرقة في تاريخ وطننا، إنها ذكرى مرور 325 عاما على تأسيس الرهبانية الأنطونية في
لبنان. إنه تاريخ جماعة ديرية عقدت العزم على المقاومة، مقاومة الجهل في مختلف تجلياته، فعملت على نشر نور المعرفة كما نور الإيمان، وسعت إلى خدمة الكلمة المتجسدة في الإنسان، على وسع الجغرافية التي انتشرت فيها".
أضافت: "أن نكرس سنة بأكملها للاحتفال بيوبيل تأسيس رهبانية الآباء الأنطونيين والأخوات الأنطونيات، فهذا يعني أن هناك كنزا دفينا يتطلب جهدا كبيرا من أجل استخراجه وإظهاره للعلن. أسماء كبار رحلوا، ونساك توحدوا، وأدباء ومؤرخين وباحثين أغنوا المكتبات بعطاءاتهم الوفيرة، فكان من الواجب أن تتم المحافظة على إرثهم وإحياء ذكراهم".
تابعت: "بين الرهبانية الأنطونية والثقافة امتدت موجات وموجات من التواصل والتناغم والإبداع، وما الحركة الثقافية في أنطلياس إلا إحدى الثمرات التي قدمت على مائدة الوطن، منذ ما يقارب الخمسين عاما في خضم اشتعال الحرب والذبح على الهوية، علامة مجلية في رفض واقع العنف والتباغض والكراهية. حظيت الحركة الثقافية، أنطلياس، بدعم الرهبانية إيمانا منها بالعمل الثقافي المحترف والهادف، وهما على العهد باقيتان".
ختمت: "يسر الحركة الثقافية - أنطلياس في هذه العشية أن تشارك الرهبانية الأنطونية بجناحيها يوبيلها وتقدم لها أسمى مشاعر الفرح وعبارات التهنئة، وترانا نستغلها مناسبة لكي نشكر هذه المؤسسة الكريمة على كل تضحياتها، وإسهاماتها في بناء المجتمع والإنسان".
دكاش
من جهته، قال الأب دكاش:" إن اليوبيل، في هذه الحال يوبيل ال 325 سنة، كما هو الحال بالنسبة إلى رهبانيتنا الأنطونية الحبيبة، يستحضر بدايات تاريخ الرهبانية، وما يسمى بلحظات التأسيس، وأهميتها بالنسبة إلى الأمس والغد. إنها بالطبع فرصة للتعبير عن امتناننا وشكرنا إلى الذين أسسوا الرهبانية، لكن الشكر الموجه إلى البشر يوجهنا إلى التعبير عن شكرنا لمن هو سبب وجودنا. وهذا يستدعي فحص ضمير ذاتي، لا للقول بأننا أخطأنا، بل لفحص ذاتي فردي، والأهم جماعي، من أجل قياس مدى التوافق بين دعوتنا كما نريد أن نعيشها اليوم وموهبة زمن التأسيس ".
أضاف: "نحن المكرسين، أمامنا تحد وفرص هامة: أن نحرص على أن تحتفظ الحياة المكرسة بجاذبيتها لأنفسنا، حتى بعد مرور سنوات عدة، وأن نثير انجذاب وتعاطف من هم أولا في الداخل، لنكون حياة الشركة الباخومية (نسبة إلى القديس باخوميوس، أب الشركة) فتكون حياة الاستنارة أو الاتحاد الشخصية دليلا إلى وحدة حياة الجماعة، وأيضا تكون الجاذبية نفسها لمن هم "في الخارج"، ليس فقط للإعجاب بها وللاهتمام كما لو كانت قطعة متحفية من القرون الماضية, بل أن نتفاعل معها أيضا، وأن ننجذب إليها وننجذب بها ونستمر في أن تكون ذات معنى في عالم اليوم، وأن تقدم نفسها كطريقة حياة بديلة لما يقدمه العالم والثقافة السائدة، وفي النهاية أن تستمر في أن تكون نبوية. نحن كأشخاص مكرسين، مثل أنطونيوس، أمامنا الفرصة والتحدي لنجعل حياتنا جذابة بفضل جمالها، كشهود لطريقة مختلفة في العمل والحياة: "من الممكن أن نعيش بطريقة مختلفة في هذا العالم" ( البابا فرنسيس، إنارة
المستقبل، أنكورا 2015، 13)".
تابع: "لقد ولدت الحياة المكرسة لتكون في تخوم الوجود والفكر، كما يقول لنا البابا فرنسيس غالبا. نحن مدعوون الى أن نضع جانبا صراعاتنا الداخلية التافهة، أن نكون أقل انكفاء على الذات وأكثر انفتاحا لنسمع نداءات العالم مثلما سمعها الأنطونيون الأوائل. من الواضح أن الخيار من أجل الضواحي كدير أشعيا على تلة عرمتا يتطلب منا أن "نخرج" من ذواتنا، أن نضع جانبا الصراعات الداخلية الصغيرة، أن نكون أقل انكفاء على الذات، أن "نتفوق على أنفسنا"، أن نأخذ زمام المبادرة في كل ما ينطوي على المحبة والتضامن والمرافقة والاحتفال والترتيل الفردي مثل أبونا مارون مراد، والترتيل الجماعي بالعربية والسربانية، والصلاة والعمل مع الجميع ومن اجل الجميع، وخاصة غير المسيحيين والفقراء. ويجب أن نعترف أن هذا ليس بالأمر السهل، لكنه تحد وفرصة هامة للأشخاص المكرسين - وخصوصا أنتم الأنطونيين - لأن ذلك هو في أصل الموهبة الخاصة".
وقال: "إن الرهبان والمكرسين، ومنهم الأنطونيون، حاضرون بطريقة تليق بهم: فهم لا يستبدلون أنفسهم بالواجبات والأشكال التي تخص أعضاء الكنيسة الآخرين، بل يصبحون علامة أكثر جذرية لأسلوب حياة إنجيلي، للعيش والمشاركة بالشهادة العلنية لمهمتهم التي تتحقق جماعيا في كل تعبيراتها.مع الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، يؤكد البابا القديس يوحنا بولس الثاني أن الأشخاص المكرسين، من منطلق دعوتهم، يعلنون الإنجيل ويشهدون بكلامهم ومثال سيرتهم لأولوية
الحق المطلق فوق الكائنات البشرية كافة، بفعل انتمائهم إلى الرب. ومن ثم يرافق علاقتهم بالله مسلك ينسجم مع الالتزام الذي اتخذوه، لأننا "لا نتصل بالله إلا بمقدار اعتناقنا الفضيلة"، وبمقدار سيرنا في طريق البنوة الإلهية. فجميع أهل الفضيلة وبخاصة المكرسين، يضفون على حياتهم بعدا قربانيا، ويعكسون مجد الله، ويغلبون معنى الوجود العميق الصحيح. في عالم يتجه أكثر فأكثر صوب المادية وأصنام كثيرة، حتى الذكاء الاصطناعي، يبدو التكرس الرهباني أشد إلحاحًا. ولتكن شهادة المكرسين قابلة للتصديق، "لأن الإنسان المعاصر أكثر إصغاء إلى الشهود منه إلى المعلمين". وذلك أن الرهبان، بنمط وجودهم وأمانتهم لوعودهم، يرشدون الناس إلى طريق السعادة ويعتبرون هداة روحيين يحتاج الشعب إليهم، على مثال القديس أنطونيوس، أبي الرهبان".
مطر
وقال الأستاذ سهيل مطر: "في طريقي إلى هذه القاعة، توقفت أمام كنيسة مار الياس العتيقة، كنيسة عامية انطلياس، توقفت، تذكرت الشاعر عمر أبو ريشة وهو يقول: إزميل مبدعه أدى رسالته إلى العوالم، فانطق أيها الحجر. كنيسة مار الياس بناء منذ أجيال المروة. وقد تسلمها الأنطونيون سنة 1723. منذ أيام، مررت قرب مار شعيا، في أعالي بعبدات، ومار شعيا قديس وليس نبيا، والرهبانية الأنطونية هي في الأساس، رهبانية دير شعيا، وبين جدرانه، تأسست الرهبانية، مع آباء ثلاثة، سنة 1700. توقفت أمام رهبة الدير، ومرة ثانية قلت: فانطق أيها الحجر".
وسأل مطر: "ماذا لو نطق؟ أسرار، أخبار، اعترافات، دموع وحياة نسكية تعتمد على الفقر والقهر والطهر... نسمع الحجر، ينطق بصوت السمعاني وباسم قداسة البابا كليمندوس الثاني عشر: "أحاطكم الله بسور الطاعة الجليلة والعفة الملائكية والفقر الاختياري، لتصيروا مشهدا للملائكة، خدام الله".
كما سأل: "لكن ماذا لو نطقت الحجارة اليوم، تراها ماذا تقول؟ تقول: الرهبانيات، كل الرهبانيات، رجالا ونساء، أسهمت في صناعة
لبنان،
لبنان الحضارة والثقافة والتربية والزراعة والأخلاق... تضيف الحجارة: جذورنا متينة، ولكن سقوفنا بحاجة إلى إصلاح وتجديد، لقد دخلت علينا إغراءات ومفاسد، علينا أن نتنقى منها، دورنا، اليوم، بعد 325 سنة، أن نكون معا في الطريق إلى إنقاذ
لبنان، لا القيادات السياسية ولا الرئاسات على اختلافها، قادرة لوحدها على هذه الخطوات. الحجارة تدعونا جميعا إلى وقفة تنقية الضمير، إلى مراجعة الماضي، إلى المحاسبة والتكفير، إلى صناعة دور جديد في المدارس والجامعات والأديرة البعيدة والمجتمع الإنساني".
أضاف: "كلنا، في هذه القاعة، تخرجنا من مدارس الرهبانيات وجامعاتها، ولكن إلى جانب الشكر والإحترام، نحمل الكثير من العتاب وبعض الغضب. نحن، حضرة الرئيس العام، ويا أيها الآباء الأعزاء، إلى جانبكم، في عملية التجديد. سامحوني، إن قلت: ما أرهبها ساعة، في مرة سابقة، وكنت أتحدث عن
الأب الرئيس الدكتور أنطوان راجح، قلت: هل لفظة راهب، مشتقة من الإرهاب أم من الرهبة. يومها سامحني
الأب أنطوان مع خمسة أبانا وخمسة سلام على أن لا أعيدها، ولكن... شكرا لكم، وألف مبروك يوبيل الـ 325 سنة".
مراد
وتحدث الدكتور عماد مراد عن تأسيس الرهبانية الأنطونية المارونية وانتشارها فقال: "إن المعلومات التاريخية عن الحياة الرهبانية في الكنيسة المارونية في القرون الوسطى ضئيلة جدا جدا لأسباب عدة أبرزها أن جزءا كبيرا من الأرشيف الماروني والكتب اللاهوتية المارونية قد أحرقت على يد القاصد الرسولي
الأب جان باتيست إليانو عام 1579 أثناء زيارته الأولى الى
لبنان للاطلاع على أحوال الطائفة المارونية وحقيقة إيمانها".
أضاف: "انطلقت الرهبنة الأنطونية المارونية في
بداية القرن الثامن عشر، بمبادرة رجل القداسة والتقوى المطران جبرايل البلوزاوي مطران حلب، ومصلح الحياة الرهبانية ومجددها في الكنيسة المارونية، الذي أنشأ سنة 1673 دير سيدة طاميش ليكون كرسيا لأبرشيته، ونموذجا للحياة الرهبانية المتجددة. وبعد أن درب رهبانه مدة طويلة على السيرة الرهبانية الشرقية، أرسل الراهبين رزق الله السبعلي وبطرس البزعوني الى تلة عرمتا في برمانا، لكن مهمتهما كانت صعبة وعادا الى دير طاميش؛ وعام 1700 أرسل المطران البلوزاوي رئيس دير طاميش الراهب سليمان الحاج المشمشاني والراهبين عطاالله كريكر الشبابي وموسى زمار البعبداتي ليجددوا دير مار أشعيا برمانا. هؤلاء أنشأوا جماعة رهبانية جديدة في تنظيمها، تجسد تعاليم الإنجيل، وتجاوب على حاجة الكنيسة في واقعها الاجتماعي والكنسي".
ووجه "كلمة تقدير للرهبانيات المارونية على ما قدمته لتطوير المجتمع اللبناني وعلى رأسها الرهبانية الأنطونية المارونية التي عملت طوال 325 سنة على نشر كلمة الإنجيل عبر الوعظ والتبشير والتعليم على أمل أن يعطي الله هذه الرهبانية الدعوات لتستمر في عملها ونشاطها وكلمة شكر للحركة الثقافية – انطلياس التي تتحفنا في شهر آذار وطوال أشهر السنة بنشاطات ثقافية وتربوية ووطنية كنوع من المقاومة ليبقى
لبنان وطن العلم والثقافة والحرية والسلام".
تكريم درباس
وقال المحامي
جورج بارود في تكريم النقيب رشيد درباس: "أحب الالقاب إليه وإلينا لقب النقيب مع إنه من أصحاب المعالي، وهو لهذا اللقب مستحق مستحق. تعود معرفتي به إلى بدايات القرن الحالي وكان قد أنهى ولايته كنقيب للمحامين في
لبنان الشمالي. لفتتني شخصيته وكنا في مناسبة تبادل الزيارات بين نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس وقد تعود مجلسا النقابتين تبادل الزيا رات والتنسيق بينهما، وكنت يومها قد انتخبت عضوا في مجلس نقابة بيروت".
أضاف: "رشيد درباس، المنبسط الجبين، المتواضع على شموخ، انبساط سهل عكار، ووداعة مسقط رأسه عين يعقوب، الواسع المدى وساعة النظر إلى بحر الميناء في طرابلس الفيحاء حيث نشأ وترعرع ودرس وتربى. أحب القانون ونال اجازة في الحقوق من جامعة القاهرة، والإجازة اللبنانية في الحقوق من الجامعة اللبنانية. وانتسب إلى نقابة المحامين في طرابلس محاميا متدرجا في مكتب الوزير السابق عمر مسقاوي والاستاذ رشيد فهمي كرامي، ومع انتهاء تدرجه زاول المهنة في مكتبه الخاص ولا يزال. وقد انتخبه زملاؤه في
لبنان الشمالي نقيبا لهم في العام "1998.
تابع: "إلى جانب ألمعيته في المهنة، انغمس رشيد درباس في النضال السياسي ملتزما بقناعاته العربية وانتمائه القومي. فكتب العديد من المقالات ونشر الكثير من الدراسات السياسية والاجتماعية، دون أن يغيب عنه يوما انتماؤه الوطني اللبناني".
وقال: "رشيد درباس، قامة لبنانية وعلم من أعلام الثقافة والفكر والشعر والقانون، ومحامٍ نفتخر بزمالته وبكوننا عشنا في زمانه، ولا غرو بأن المهنة كانت ولا تزال تزخر بالعظماء الذين تركوا البصمات في مجال اللغة والبيان والبلاغة والفصاحة".
ساسين
بدوره قال المحامي شوقي ساسين: "أن تتمالك الكلمات حروفها، أول هم يعتري لغتي حين تفكر بالكتابة في رشيد درباس. ذلك أن المعاني التي أقول فيه، لا تغتسل بماء حبرها، بل بماء مودته المنسكب من أعالي الوجدان، أغزر من سحب الأبجدية متى أمطرت فوق سطوح الحكايات. ولعلني، وقد قلت فيه الكثير لم أقل بعد شيئا. فالعمر الذي عشته في رحاب صداقته، ما زال يكشف لي عنه أنه، منذ نعومة أحلامه حتى شيخوخة أمتنيه، منتم إلى القيم قبل انتسابه لعزوة أو لدار، وأن الصدق فيه أرومة، والاندفاع شيمة، ولو عليه منهما ساءت العواقب".
أضاف: "أستعيد الآن يا أحبة زمام محبرتي لأخبركم أنه دعاني للانضمام إلى "منتدى طرابلس الشعري" الذي كان يعقد لقاءاته في مكتبه. ومذاك توثق تعارفنا، وتكثفت لقاءاتنا، حتى صارت تنعقد في اليوم الواحد أكثر من مرة، إن لم يكن بالأعين فبالأسماع. كان المنتدى تجربة عميقة الأثر دربتنا جميعا على تقبل النقد الصارم لما نكتب. وأقر بأنه كان أكثرنا طواعية وأشدنا استجابة للنقد والمراجعة، فما تردد مرة فيهما، حتى تبين لي بعد حين أن ذلك في نفسه سجية نفس".
وقال: "رشيد درباس الآتي من خلفية معارضة، بسبب تبكيت الضمير هذا، الناجم عن مراجعته النقدية لتجربته، بات مستمسكا بالدولة، منظرا لها أنها مصلحة خاصة بكل مواطن، قبل أن تكون مصلحة عامة لمجموع المواطنين. ولقد توطد إيمانه بضرورتها،كما قال لي، حين تسلم كوزير للشؤون الاجتماعية ملف النزوح السوري، ورأى كرامة الإنسان كيف تضيع عندما يغدو بلا وثيقة تعرف به، وحينما يفقد مقومات الحياة من صحة ومأوى وأمن، وسواها مما يفسر معنى الدولة".
أضاف: "لكنه حين يراجع الوسائل لا يتنكر للمبادئ، فهو ثابت على اعتقاده الأول بفكرة المواطنة التي ترفع الحواجز من وسط الشعب. من هنا كان انفتاحه على الآخر انفتاحا شاسع العلاقات، حتى لقد أناله في الانتخابات النيابية الوحيدة التي خاضها تسعة وتسعين بالمائة من أصوات مسيحيي طرابلس. ومن هنا كان أيضا رفضه لكل دعوات التفرقة، أيا كانت عناوينها".
زغيب
من جهته قال الشاعر الدكتور هنري زغيب: "شعرا يكتب أو نثرا، فالرنين انصك على ندرة اللقيات. علامة الشاعر أن هو المغاير بين من يتشابهون، حتى إذا غنى، تلألأت فضاءات واحلولت مواعيد. من نتكوكب حوله اليوم في زوغة احتفاء، هو من في ربوع الإلفة جواهري الصداقات. هو اليعرف كيف تستل المودة من آنق النيات. محاميا؟ هو البياض الشفيف في مهابة الروب الأسود. نقيبا؟ هو الناسج كل حق في مطالب الزمالة. وزيرا ذات يوم؟ هو المتطلع إلى الفجر حيثما خال المعوزون اجتماعيا أن لا قيامة بعد من عبوس الليل".
أضاف: "ويحلو له أن يسمني "جار الهوا"؟ وددته يتيح لي لو أسمه فرح الاقتبال في طيب الإقامة. ثلاثا وسمني قلبه: مرة أولى في طرابلس ذات قلت رأيي في مجموعته الشعرية السابقة "تجاعيد حبر"، وثانية حين رغب إلي كتابة المقدمة لمجموعته الجديدة "الفصل الخامس" وفيها تخطى ڤيڤالدي بفصوله الأربعة، وثالثة هي اليوم: تخيرني أشارك في تكريمه مؤنقا بنبض الوفاء".
وقال: "مفرد، الرشيد، في ما هو إليه. وهنا يطيب الكلام على الفرادات. شرطها ألا تذكر بأي آخر، فهي مفردة نشأة وأصالة. لذا لها مكانها في أثير الإبداع من غير أن تلغي السوى أو أن يلغيها أي سوى. في فضاء المبدعين دوما مكان لنجمة جديدة.فرادته، الرشيد، أنه تلميذ ذاته ومعلم ذاته. فليهنأ بالاطلاب ولتهنأ به التلمذة".
درباس
وقال المكرم النقيب رشيد درباس: "في حمأة الحرب التي استقطبت الطوائف، وأخلت المناطق من تنوعها الغني، ورمت بالناس في وهدة الانكماش الوطني والتراجع العلماني، نشأت الحركة الثقافية في أنطلياس عام 1978، تحت كنف الرهبنة المارونية، لا فرعا ثقافيا دينيا، بل حركة مقاومة اجتماعية، ترفض الانخراط في الصراعات، وتشهر الثقافة كتابا وخطابا وفكرا ومعارض، ونبعا يستقي خيره العطاش من كل ملة ومكان. ورغم أهميتها الفائقة ودورها واستمرارها، لم تكن الحركة ذات فرادة، فقبلها وبعدها لجأت كثرة من التجمعات الوطنية البريئة من لوثة التعصب، إلى إنشاء منتديات مماثلة على طول الجغرافيا اللبنانية وعرضها، تعبيرا عن إيمان راسخ، بأن الظلام لا يندحر إلا بالثقافة المستنيرة وأن الجهل والتشنج لا يضمران إلا بالمعرفة المتقدة".
أضاف: "أذكر في هذا الخصوص، أنني سمعت باسم الحركة، يوم كانت طرابلس العميقة تمارس احتجاجها ورفضها الفوضى الميليشياوية والحروب العبثية من خلال نشاط ثقافي واجتماعي ملحوظ، كانت الرابطة الثقافية ساحته ومرتعه، برئاسة المرحوم المهندس رشيد جمالي، الذي أصبح أيضا أمينا عاما للتجمع الوطني للعمل الاجتماعي ومن ثم رئيسا للبلدية، فأدت الرابطة أدوارا وطنية واجتماعية مضيئة، في ظل أسوأ الأيام وأشدها سوادا.
وتابع: "ولأن الثقافة الوطنية لا تعترف بالمتاريس، ولا تتقوقع في شرانق التحجر الديني أو المذهبي أو العقائدي، وصلنا رذاذ لطيف من فوار أنطلياس مصحوبا بأشعة دافئة الملمس، وزارت آذاننا أسماء الدكتور عصام خليفة والدكتور نبيل خليفة والدكتور أنطوان سيف، وسواهم من أهل النباهة والنظر الثاقب، فانعقدت قرابة وطيدة الأواصر ما بين الأسماء والأسماع، وأحرز نشاط الحركة مرجعيته في الوجدان الطرابلسي كما اللبناني، وذلك سر أنطلياس، بل سحرها الذي به احتلت الوجدان العربي، على وسع الريشة المرفرفة، وأوتار الهواء المرهفة، بقيادة من اشتق اسماهما من رحب المدى ومن مساحة الصفة، عنيت الأخوين رحباني".
وقال: الآن أمثل أمامكم، طائعا لرغبات الحركة الثقافية التي تقيم سكنها الهادئ في لهب غيرة مار الياس، وتشهر مثله سيف محبتها على جميع أصنام التفرقة والانقسام. وتدفعني إلى الطاعة أكثر الرعاية التي منحها لهذا المعرض بنسخته الثانية والأربعين فخامة الرئيس العماد جوزيف عون الذي يتنسم اللبنانيون أجمعون من عهده وقسمه رجاء كثيرا. أتكون الحركة قد رأت في ما لم أره في نفسي أبدا؟ أم يكون صديقاي العزيزان الأديبان الشاعران هنري زغيب وشوقي ساسين قد تعمدا أن يثقلا تواضعي الصادق بمزيد من العرفان، كما فعل إصرار زميلي المحترم الاستاذ
جورج بارود علي، رغم اعتذاري فجعلني أرضخ لطلبه في موعد الإفطار، ليمتعني بما يقول؟ لعلها أيضا الشهادات الثمينة التي أدلى بها أصدقائي أمام هذا القوس، وتحت قسم المحبة التي تغمرني الآن بنفحة من طيب الذكريات؛ مهما يكن من أمر، فالشكر واجب لجميعكم ولإدارة الندوة. والسلام". (الوكالة الوطنية للإعلام)