"خادمة" البيت.. حاجة أم ظاهرة؟

من الوظائف "المطلوبة" جداً في لبنان والبلدان العربية على حدٍّ سواء، ما يسمى بالمعنى الوظيفي "الخادمة". هذه الظاهرة بدأت منذ أكثر من عقدين في مجتمعنا ولا زالت تتنامى حتّى أصبحت حالة اجتماعية، ومن متطلبات الزواج الحديث. فكم من عروس لم تدخل بيتها الجديد قبل "دخول" الخادمة إليه. وبرزت الحاجة الملحّة للخادمة في بعض المنازل بسبب خروج المرأة للعمل أو وجود بعض الآباء والأمهات المسنّين المحتاجين إلى عناية خاصة. وفيما يلي نلقي الضوء على وضع الخادمة في المنزل من وجهة نظر نفسيّة، وعلى دورها في تربية الأطفال. مدبّرة المنزل أو الخادمة، سواءٌ كانت آنسة أم سيدة، أتت إلى بلاد الإغتراب للعمل في المنازل من أجل أن تساعد ربّة المنزل في الاعمال اليومية والتنظيف والاعتناء بالأولاد والمسنّين. وتحمي القوانين هؤلاء السيدات اللواتي تركن بيوتهنّ وأولادهنّ للعمل بعيداً، بحثاً عن لقمة عيش يكتسبنها بكرامة وبعرق جبينهنّ المجبول بالذلّ أحياناً والإرهاق أحياناً أخرى. تجنّب العنصرية يجب الحرص على عدم وصف "الآنسة أم السيدة الخادمة"، بكلمات عنصرية. فإذا فرض عليها القدر أن تتحمّل العمل الطويل يوميّاً في بيت لا تمتّ إليه بصلة، لا يجب أن تتحمّل أيضاً الكلمات العنصرية التي قد تُوجَّه إليها في بعض الأحيان. ولا يمكن نكران الضغوط النفسيّة التي تعيشها "الخادمة" والمسؤوليات التي تقع على عاتقها. فإذا كان المواطن اللبناني يعيش يومياً "صراعاً حياتياً" و"نضالاً"، فهي لا يقلّ نضالها وشقاؤها عنه بشيء، لا بل أحياناً أكثر. أسباب مجيء عاملات المنازل تفسّر الأخصائية النفسية ليلى حمود أنّ "السبب الوحيد لمجيء العاملات الأجنبيات إلى بلادنا هو المال الذي يجنينه ويرسلنه شهرياً الى دولهنَّ. فعلى رغم تعدّد الدول التي يأتين منها والتفاوت في المستوى المعيشي والحضاري بينهنّ، الّا أنّ الدولار في بلدانهنّ يتمتّع بقيمة شرائية مضاعفة عن قيمته في لبنان". وتساعد الكثيرات منهنّ عائلاتهنّ للعيش بكرامة بفضل المال الذي يرسلنه إليها. وفي حين يدفع عدم توفّر الفرص وضعف القيمة المالية في بلادهنّ بعض هذه النساء إلى الإغتراب، يرجعن بعد سنوات إلى بلدانهنّ الأم لبدء عمل جديد في التجارة أو غيرها من الأعمال. كما هناك العديد من الخادمات المثقفات، اللواتي يأتين للعمل فقط لبضع سنوات ويعدن لتكملة دراستهنّ أو للتخصّص في الدراسة الجامعية. المشكلات النفسية التي تواجهها الخادمة تشير حمود إلى وجود "مراحل نفسية قاسية تمرّ بها العاملة، نتيجة انسلاخها عن بيئتها ومجتمعها. وكلّما كانت حالها في بلدها أكثر فقراً كلّما عانت من التقلّبات النفسية". وتعدّد حمّود بعض الخصائص النفسية التي تشعر بها الخادمة ومنها: "الخوف من المجهول، صعوبة الاندماج في بيئه جديدة، الاشتياق الى عائلتها والشعور بالذنب لحصولها على نمط عيش ما زال بعيد المنال عن عائلتها وأطفالها". ولكن بعد فترة من وجودها، تعتاد على واقعها الجديد وترضى بحالها. إلى ذلك، قد تنشب بعض المشكلات ما بين ربّة المنزل والخادمة، خصوصاً عندما تكون هذه الأخيرة غير معتادة على بعض أنماط الأعمال التي تجدها غريبة وغير مألوفة بالنسبة إلى حضارتها وعاداتها. وتساهم قسوة المعاملة وعدم مراعاة إنسانيتها وحقوقها من جانب بعض الأسر في ظهور المشكلات والسلبيات في العائلات. راحة أهل البيت تتغيّر الحال النفسية لسكّان البيوت التي تستقدم عاملة لأسباب ضرورية لا شكلية. ومن فوائد الخادمة في البيت: • توفّر الخادمة الراحة النفسية لكبير السنّ بوجودها الدائم معه، وذلك من خلال مساعدته على قضاء حاجاته وتعاطيها المستمرّ معه، ما يؤمّن له الاستقرار النفسي. • تساعد ربّة المنزل في إتمام المهام المنزلية، ما يريحها ويتيح لها استثمار وقتها للاهتمام بعملها أو زوجها وأولادها. • يحتاج الأطفال في العائلة لرعاية مستمرّة. ويمكن أن تنوب العاملة عن الأهل لوقتٍ قصير ما يساعد في استقرار وضع الأولاد ومعالجة قلق الأهل. • إذا كانت العاملة في المنزل على قدر من الكفاءة، ينعكس ذلك ايجاباً على تسهيل حياة كلّ أفراد العائلة. جهود الخادمة تستنفد الخادمة جهدها البدني والنفسي في الأعمال المنزلية، ويسبّب لها عملها الروتيني كثيراً من المشكلات السلبية على صحتّها النفسية واستقرارها. وتمكث الخادمة في المنزل طوال الأسبوع، وتقوم بالتنظيف والترتيب كوظيفة رئيسة، كما تتوسّع مهامها لتشمل تربية الأطفال وتعليمهم والإهتمام بالزوج عند عودته من عمله، والسهر على المريض في المنزل.... علاقة الأهل والخادمة تلفت مسوؤلة وحدة التوعية والمناصرة في مركز الأجانب في "كاريتاس" لبنان نهى روكس إلى أهمية "تعرّف العاملة الى واجباتها ومسؤولياتها من جهة، وتأقلم العائلة مع وجود شخص جديد في العائلة". وتضيف: "يحصل الخلل عندما يتنصّل أحد أفراد الأسرة من دوره ويتّكل على الخادمة. فعدم آداء الزوجة لدورها في المنزل مثلاً من أهم أسباب وقوع المشكلات العائلية، واندلاع المشاحنات التي تدفع الأشخاص للجوء الى العنف". إلى ذلك، تشير روكس إلى أنّ "الدور النفسي- الإجتماعي للعاملة في الخدمة المنزلية له أهمية كبيرة في هذا الزمن، خصوصاً وأنّ العائلات اللبنانية باتت تعتبر وجودها في المنزل أساسيّاً، مع تغيّر دور الرجال والنساء حيث الإثنان يعملان وينتجان". وتضيف: "تبقى المفارقة في دور المرأة اللبنانية المضاعف، الذي ينقسم بين عملها خارج المنزل والإهتمام بالشؤون المنزلية في آن معاً. ويشكل ذلك ضغطاً كبيراً على علاقة الزوجين، فتكثر المسؤوليات على المرأة في المجتمع الشرقي الذكوري حيث لا يقاسمها الرجل شؤون المنزل وتربية الأطفال. كما لم يعد الأجداد قادرين على حضانة الأطفال، والحضانات لا تعمل في وقت يتناسب مع وقت عمل الأمهات". وتوضح روكس: "دفعت العمالة الرخيصة العدد الكبير من اللبنانات للقيام بإستخدام الخادمات في منازلهنّ. وتساعد هؤلاء النساء في إدارة شؤون المنزل وفقاً لعقد يُحدّد شروط العمل والحقوق والواجبات. و يتمثّل صاحب العمل بالأم والأب والأولاد والعائلة الكبيرة، على أن يكون العمل في منزل واحد وليس أكثر. وتأتي هذه العاملات من دول أجنية ومن مجتمعات مختلفة العادات والتقاليد، ما يجعل أوّل مرحلة من العمل فترة تأقلم وتخطّي الصدمة الثقافية". وتؤكّد روكس أنّه "إذا تمّت المحافظة على شروط العمل السليمة وعلى حقّ العاملة بيوم عطلة أسبوعية خارج المنزل وتمّ الالتزام بوقت عملها المحدّد، يحافظ كلّ شخص على دوره وأهميته في الأسرة والتربية، وتتمّ الاستفادة من الأوقات التي يتشاركها أفرادها معاً". الأولاد بحاجة لأمهم وإذا فرضت الحاجة والضرورة على المجتمعات العربية الاستعانة بالخدم، فلا بدّ من وضع ضوابط في إطار معاملة هؤلاء السيدات، وأن تلعب ربّة المنزل دورها ولا تغيب عن عائلتها وتتخلّى عن "عرش مملكتها" وتسلّمه للخادمة بدون رقابة من أيّ نوع. علماً أنه بإمكان المرأة اللبنانية تسليم بعض المهام، مثل تربية الأطفال للخادمة خصوصاً أنّ الكثيرات منهنّ أمهات، إلّا أنّ الأولاد بحاجة لوالدتهم في رعاية شؤونهم. ويجب على الوالدين الاهتمام بأولادهما ومنحهم العطف والحب والأمان والحنان... (الجمهورية)