كتبت "الحرة": لا تعلم الروائية الصينية، فانغ فان عواقب حديثها إلى صحيفة "التايمز" البريطانية، وذلك بعد منعها من الحديث لوسائل إعلام أجنبية، لاسيما وأنها أصبحت تحظى بشهرة عالمية جراء كشفها للمآسي التي عاشتها مدينة ووهان، التي يعتقد أنها المصدر الأول لفيروس كورونا المستجد.
وكانت فانغ قد نشرت عبر الإنترنت ما أطلق عليه لاحقا "يوميات ووهان" تحدثت من خلالها عن معاناة الناس في المدينة مع الفيروس الغامض، ودأبت على النشر اليومي من بداية يناير إلى نهاية آذار من العام 2020، لتحظى بمتابعة عشرات الملايين في البلاد.
وما أن انتهت من نشر تلك "المذكرات" حتى انهالت عليها عروض من دور نشر أميركية وألمانية وفرنسية لترجمتها ونشرها عالمياً.
لكنّ هذه العروض ترافقت مع حملة شرسة خاضتها السلطة ضدها وأعضاء في الحزب الشيوعي الحاكم، متهمين إياها بـ "الخيانة" و"خدمة الغرب" و "المتاجرة بالضحايا" و"تقاضي مبالغ مالية"، ونجم عن ذلك منعها من السفر وحظر كتبها داخل البلاد.
وقد وصفت الصحافة الصينية الرسمية ما قامت به فانغ "عاراً" خصوصاً أنها تتلقى المديح في وسائل الإعلام الغربية، ووصفت مذكراتها بأنها "منحازة ولا تكشف سوى الجانب المظلم في ووهان بينما تتجاهل الجهود التي بذلها السكان المحليون والدعم الذي قدمته الدولة".
"العنف البارد"
وفي ردها على أسئلة مكتوبة من صحيفة التايمز، قالت فانغ "بالنسبة لكاتب محترف مثلي، فهذا هو أعظم عقاب يمكن أن يقع علي"، واصفة الحظر المفروض عليها بأنه شكل من أشكال "العنف البارد".
وفي تعليقها على ما اعتبرته "فشل سياسة صفر كوفيد" التي انتهجتها بكين لمواجهة الجائحة، قالت فانغ: "بمجرد عودة الحياة اليومية إلى طبيعتها وإشباع احتياجات الناس الأساسية، ستعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل".
وأضافت أن قيود كوفيد ملأت الكثير من الناس "بخيبة الأمل والحزن والغضب، لكن الناس أيضًا تنسى بسهولة شديدة، فنحن ذاكرتنا أفضل من ذاكرة السمك بقليل".
وتوقعت أن الناس "سيبدأون في ترديد الثناء وكيل المديح للأوقات العظيمة التي نعيش فيها الآن، وكم هو رائع أن الصين قد عادت إلى القمة".
وتابعت قائلة: "إن إطراء من هم في السلطة هو ما اعتاد الناس على فعله، ولكن ربما ينبغي أن هناك تكون طريقة أخرى.. يجب على الناس تبنيها".
وفانغ هو الاسم المستعار لوانغ فانغ التي تبلغ من العمر، 67 عاما، وقد عاشت طفولتها المبكرة في ووهان، وبدأت في تسجيل الأحداث بعد أن طلب منها محرر في مجلة أدبية صينية توثيق يوميات الإغلاق التي تعاني منه المدينة، وذلك قبل أن يتراجع خوفا من عواقب ذلك.
وفي هذا الصدد تقول فانغ: "أعطاني الاقتراح هذا الزخم لبدء تسجيل الأمور، وبدأت في نشر سجل لما كان يحدث".
وساعدت اليوميات على ملء فراغ إخباري في بلاد تخضع فيه الحقائق لما تنشره وتبثه وسائل الإعلام الرسمية، وسرعان ما جذبت منشوراتها على الإنترنت جمهورًا من عشرات الملايين من الناس، موضحة "يبدو أن تلك اليوميات كانت توفر العزاء للعديد من القراء".
وقدمت فانغ لمحات مفجعة من المعاناة والفوضى والخسارة في مدينة يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة والتي كانت في ذلك الوقت معزولة عن العالم.
فهي تذكر لهفة طفل يبكي هو يركض وراء سيارة إسعاف كانت تنقل جثمان والدته، كما تتحدث بأسى عن طفل عمره ستة أعوام عثر عليها وحيدا مع جثة جده إذ أنه كان يخشى مغادرة المنزل.
تهديدات بالقتل
وتوضح فانغ أن يومياتها قد جلبت لها نقمة "العشرات من المواقع" اليسارية المتطرفة "، مردفة: "لقد باشروا في شن كل أنواع الهجمات عليّ".
وزادت: "كان هناك أفراد يدعون الناس إلى القدوم إلى ووهان لقتلي. كل هذا أجبرني على توخي الحذر الشديد عند مغادرة شقتي".
وعندما نقل مايكل بيري، مدير مركز الدراسات الصينية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، منشوراتها عبر الإنترنت إلى اللغة الإنكليزية تحت عنوان "يوميات ووهان: إرساليات من مدينة معزولة"، أصبحت الهجمات "أكثر جموحًا وجنونًا"، على حد قولها.
وتابعت: "لقد زعموا أن كتاباتي كانت بمثابة سكين سلمته إلى الجهات المعادية في الغرب لذبح الصين. واتهموني بخيانة بلادي".
ووصف بيري ما تتعرض له فانغ بأنها "حملة التضليل الأكثر عدوانية ضد كاتب في الصين منذ الثورة الثقافية".
وكان بيري بصدد ترجمة أحدث روايات فانغ تحت عنوان "الدفن الناعم"، عندما تفشى الوباء، لكنه لم يلتق حتى الآن بالروائية الصينية التي عاشت أياما من الجحيم على حد وصفه.
وتابع: "أكن لها احتراما كبيرا.. . إنها رمز للكرامة بالنسبة لي، فقد وقفت في وجه سيل الكراهية والتهديدات بالقتل التي تصلها كل يوم.. وحقيقة أنها ظلت ثابتة على مواقفها جعلتها بطلة حقيقية في نظري".
وكانت فانغ قد ذكرت في وقت سابق من هذا العام أن كتاباتها تخضع لـ "الرقابة الكاملة" في الصين، ويتم التنصت على هاتفها وتخضع للمراقبة كلما غادرت منزلها.
وأردفت: "يتصل المسؤولون رفيعو المستوى باستمرار لتذكيري بأنني ممنوعة من إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية".
وتكشف حياتها الشخصية عن العوامل التي جعلتها تتحلى بالشجاعة، فقد لعب جد والدها دورًا هاما في ثورة 1911 التي أطاحت بآخر إمبراطور للصين.
وكانت قد نشأت في ظل الثورة الثقافية من عام 1966 إلى عام 1976 في عهد ماو تسي تونغ، والتي كان والدها أحد ضحاياها.
وحينها أجبرت في سن المراهقة على العمل كموظفة شحن في إحدى الموانئ على نهر يانغتسي، بينما جرى إرسال ثلاثة من أشقائها للعمل في الحقول، وهي نوع من العقوبات التي كانت تتعرض لها عائلات ضحايا الثورة الثقافية.
ولكن على الرغم من الصعوبات التي واجهتها وواجهت عائلتها خلال أحداث "الثورة الثقافية" وحتى الآن، فقد بدت فانغ متفائلة بشأن المستقبل، قائلة: "أنا متأكدة من أن كل شيء سوف يكون أفضل في النهاية".