بوصول سعر صرف الدولار في سوريا، السبت، آخر أيام العام الماضي 2022، إلى 7150 ليرة، يصل السوريون الذين لا يزيد دخل العامل منهم عن 100 ألف ليرة، إلى القاع، بمتوسط دخل سنوي للفرد لا يتجاوز 215 دولاراً.
ويقول رئيس مجموعة عمل "اقتصاد سوريا"، أسامة قاضي، إن الوضع المعيشي للسوريين هو الأسوأ على مستوى العالم قياساً مع الدخل والإنفاق، مقدراً الحد الأدنى لكفاية الأسرة السورية بنحو 2.5 مليون ليرة سورية، وما يجسر الهوّة بين دخل ثابت لا يطاول الجميع، وإنفاق تضاعف 80 مرة خلال 11 عاماً، هو الحوالات الخارجية التي قدّرها بنحو 5 ملايين دولار يومياً.
ويضيف قاضي، لـ"العربي الجديد"، أن تدهور سعر الصرف خلال الشهرين الأخيرين، زاد من نسبة التضخم والفقر التي قدرها بأكثر من 95%، "وفق المؤشر العالمي"، معتبراً أن تراجع مستوى المعيشة ومعاناة الأسر في تأمين قوت أولادها، أوجد أمراضاً اقتصادية وصحية واجتماعية طويلة التأثير "لدينا توثيق لأكثر من 200 حالة انتحار عام 2022، وأعداد مخيفة حول الإدمان على المخدرات"، متوقعاً استمرار زيادة نسب الفقر والبطالة خلال العام المقبل، في ظل انسداد أفق الحل السياسي.
ويلفت إلى أن النفط هو أحد أبرز أسباب تبدّل الوضع الاقتصادي في سوريا، سواء لجهة الميزان التجاري أو موارد الخزينة، أو حتى غلاء الأسعار، لأن سوريا التي كانت تصدّر نحو 150 ألف برميل نفط يومياً، تحولت إلى مستورد "أو محتاج" لنحو 200 ألف برميل.
وتباينت نسبة تضخم الأسعار في سوريا خلال عام 2022، ففي حين وصلت إلى نحو 150% لبعض السلع المستوردة، قفزت أسعار الفروج بنحو 300% وصحن البيض بحوالي 251%، بحسب تصريحات أدلى بها عضو اللجنة الرئيسية لمربي الدواجن في اتحاد غرف الزراعة السورية، حكمت حداد.
وينبه حداد إلى الإهمال الحكومي الواضح والكبير لقطاع تربية الدواجن، مشيرا إلى أنّ الوضع سيئ جداً وسيزداد سوءاً عندما تظهر آثار هذه الفترة خلال الشهر أو الشهرين المقبلين، في حال لم تكن هناك تدخلات واضحة من قبل الوزارات المعنية، لافتاً إلى أنّ "القطاع يسير في تدهور وكأنه لا يوجد مسؤول عنه".
ويرى الاقتصادي السوري محمد طيب العلو، أن قطاع الدواجن حالة يمكن القياس عليها، سواء على قطاع الزراعة الذي تهدّم، بعد رفع أسعار الأسمدة والبذور والطاقة، أو قطاع الصناعة الذي يعاني من مضاعفة تكاليف الإنتاج وسوء التصريف بسبب تراجع القدرة الشرائية، خصوصا في ظل تخلي الحكومة عن دعم الصادرات وملاحقة رجال الأعمال بـ"الدولار" وفرض الإتاوات عليهم.
ويشير الصناعي العلو إلى أن عام 2022 كان الأسوأ على السوريين منذ 11 عاماً، نظراً لتراجع الدخل الذي أكله التضخم وزيادة الأسعار، محذراً خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" من انهيار كامل للطبقة الوسطى في سوريا، بعد تحوّل ما نسبتهم 10% من السوريين إلى أغنياء مقابل أكثر من 90% فقراء.
من جهته، يقول الباحث الاقتصادي شادي حسن، إن سوريا التي كانت تقدم في الماضي المساعدات الإنسانية لدول كثيرة، باتت اليوم الأفقر على مستوى العالم، فالمواطن "الموزمبيقي" يزيد دخله السنوي عن المواطن السوري بـ 2.2 ضعف، والزيمبابوي 1.6 ضعف، والأفغاني 2.3 ضعف، ومواطن جزر ساموا 12.5 ضعفاً، وجزر مارشال 18 مرة، أما في بوركينافاسو فيزيد الدخل السنوي للفرد بـ3.2 أضعاف قياسا بسورية، وفي اليمن التي أهلكتها الحرب 4.7 أضعاف، ثم في مصر 13.2 ضعفاً و20 ضعفا في لبنان.
ويضيف الباحث السوري، أنه وأثناء البحث بالنسب والأرقام وإسقاطها على تدهور الظروف المعيشية للسوريين العاملين وغير العاملين في الدولة، وعن انهيار القيمة والقوة الشرائية لليرة السورية، تبيّن أن التضخم والارتفاع الكبير والدائم للأسعار مقارنة بالدخل شبه الثابت، هو السبب الرئيسي لتردي الواقع الاقتصادي للسوريين.
وأشار إلى أن القيمة الفعلية لمبلغ 250 ليرة سورية عام 1969 تعادل اليوم 16.5 مليون ليرة، فمتوسط راتب الموظف السوري كان وقتها بحدود 250 ليرة سورية، بينما كان سعر غرام الذهب 4.5 ليرات، وإذا ما قسمنا الراتب 250 ليرة على سعر الغرام (4.5 ليرات) نجد أن راتب الموظف كان في ذلك التاريخ يساوي 55 غراما من الذهب، في حين أن متوسط راتب الموظف اليوم أصح يعادل 0.3 غرام من الذهب فقط، وبهذا الحساب البسيط نجد أن قيمة الراتب الفعلية انخفضت خلال نصف قرن أو أكثر بقليل إلى حدود قاسية جداً.
ويلفت الباحث من دمشق إلى أن "ما تحتاجه الأسرة المؤلفة من 6 أشخاص لأكل الفلافل "طعمية" كمثال على مدار 3 وجبات يومياً لمدة شهر كأرخص وجبة يمكن تناولها، يساوي مليونا و80 ألف ليرة، في حين وصل سعر "المتة" المشروب الشعبي البسيط إلى 10 آلاف ليرة سورية لعلبة 200 غرام فقط، وسعر الفروج البروستد إلى 55 ألفا، أي ما يعادل نصف الراتب، ناهيك عن باقي المتطلبات من لباس وطبابة وتعليم وغيرها من الضروريات، وكأن قدر السوري أن يشحذ رزقه على خارطة العالم ويستجدي المعونات والدعم ليأكل ويعيش".
(العربي الجديد)