Advertisement

عربي-دولي

"جباليا" مصيدة جنود الاحتلال.. كيف ولماذا صمدت أمام جرائم العدو؟

Lebanon 24
21-05-2024 | 09:55
A-
A+
Doc-P-1202399-638519078318256119.jpeg
Doc-P-1202399-638519078318256119.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لم يكن مشهد الشهيدين إلا واحدا من عشرات إن لم تكن مئات الوقائع والأحداث التي مرت بها الأيام العشرة المستعرة من حرب جباليا الثانية، التي وصفتها الصحف الإسرائيلية بأنها الأشرس والأنكى منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
Advertisement

رائحة الموت تحل اليوم محل نفحات البخور والورس المسافر عبر القرون، فمنذ مبتسم الخليقة الأول، وجباليا إحدى وجنات الشمس المتوردة، وريف فلسطين، وإحدى مشارق أنوار الحضارة والعمران.

ومنذ التاسع من تشرين الاول، وبعد يومين من الطوفان، بدأت جباليا في استلام حصتها من الانتقام الإسرائيلي العنيف بقصف السوق الشعبي في المدينة، ليرتقي 50 شهيدا في دقائق.

وفي مدرسة الفاخورة حيث كانت الفصول والسبورات ترسم قصة كفاح علمي، كان سكان جباليا على موعد مع مجزرة أخرى راح ضحيتها 200 شخص تحت موجة من القذائف المدمرة، قبل أن يتوالى عداد المجازر في المدينة الصامدة.

وخلال الأشهر الماضية حاولت إسرائيل أكثر من مرة التوغل في مخيم جباليا، لكن الفشل كان لها بالمرصاد في كل مرة، ولكنها عادت قبل أيام تحاول أن تحقق ما فشلت فيه في مرات سابقة.

وكما تحترق الدبابات، وتغوص الآليات في وحل جباليا، يتساقط الجنود الإسرائيليون قتلى وجرحى بوتيرة عداد ينتقل بشكل متصاعد بين الآحاد إلى العشرات، رغم شح ما تعترف به تل أبيب من ضحايا جنودها كما تؤكد المقاومة.

أيام من النار واللهب والدمار، والمباني التي أصبح عاليها سافلها، تواصل الآلة الإسرائيلية السحق، وتواصل المقاومة التصدي، وتحت الركام لا تزال جثامين العشرات من الشهداء تحت الأنقاض، تكتب هي الأخرى قصة لا متناهية من جرائم الاحتلال ضد الأرض والناس في جباليا وما جاورها، وفي جميع أنحاء القطاع.

ووفق ما أعلنه الدفاع المدني الفلسطيني في شمال غزة، فإن مئات الشهداء قد استشهدوا إثر تدمير أكثر من 300 منزل، ولعل ما بقي تحت الأنقاض مما لم يكن انتشاله، قريبا أو أكثر ممن أخرج من تحت الركام.

أما على صعيد الخسائر في جيش الاحتلال، فقد تمكنت المقاومة من تدمير عشرات الآليات العسكرية الإسرائيلية بين دبابة وجرافة وناقلة جند، وواصل قناصوها مد لائحة القتلى الإسرائيليين بأرقام جديدة، وضحايا يزيدون حجم الغضب والحنق في تل أبيب.

ولشراسة المعركة بات الطرفان على يقين بأنها معركة حياة أو موت، وخصوصا بالنسبة للفلسطينيين الذين لا تعني لهم الحياة شيئا أكثر من الموت بشرف وصمود.

بدأت الحرب العَوان في جباليا بتقدم الفرقة 98 معززة باللواء السابع واللواء 460 المدرعين نحو المخيم، تسنده فرق من الكتائب الهندسية لإقامة بعض الحفر، وفتح ثغرات في الطريق، والعمل على اكتشاف وتخريب الأنفاق، كان الهدف واضحا ومحددا، لكن الطريق إليه كانت عسيرة جدا، وتفرقت أوصال اللواءين بمواجهة الرصاص الفلسطيني، ليعزز لاحقا بلواء المظليين، الذي بدأ قصف جباليا في أول مهمة له في هذا المخيم منذ بداية الطوفان.

ورغم أن الألوية المذكورة تمكنت من دخول المخيم والتوغل فيه عمقا بعد أن فشلت في ذلك سابقا -وربما كان لتكتيكات المقاومة دور في ذلك- فإن تلك القوات كانت تضطر للتراجع كل حين تحت قصف القنابل الرعدية التي تطلقها المقاومة، وتحت رشقات القناصين المحترفين في كتائب القسام وغيرها من فصائل جباليا.

ومع حجم الدمار الذي نشره الجيش الإسرائيلي في جباليا، بالتوازي مع حجم الإخفاق، بات جليا -وفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية- أن غالبية الجنود يعتقدون أن قادتهم يدفعون بهم إلى عملية عبثية لا أمل في انتصار من خلفها.

وتزداد ضراوة المعارك في جباليا مع تحول عدد كبير من المنازل إلى مقانص مفخخة، تنفجر بمن فيها حينما يلجها الجنود الإسرائيليون بحثا عن فتحة نفق أو محاولة لانتشال جثة، أو إسعاف مصاب، أو احتماء من لهب قناص، وهو ما يضفي من جديد صعوبة على الحرب التي يخوضها جنود مدربون على الحروب التقليدية، خصوصا أن مقاتلي حماس باتوا أكثر احترافية وخبرة، وفق ما ينقل إعلام عدوهم الإسرائيلي.

لماذا وكيف تصمد جباليا؟
تتعاضد في صمود جباليا عوامل متعددة، أقواها صبر المقاومة، وخبرتها المتصاعدة، واعتبارها جباليا معركة موت أو حياة، وإلى جانب هذا العامل الأسطوري، تنضاف عوامل أخرى بالغة الأهمية من أبرزها:

التشكيل الجغرافي في جباليا، ذات الأنفاق الطويلة والمتشعبة، والحارات المتقاربة جدا، والكثافة السكانية العالية، وهو ما يجعل التحرك الإسرائيلي فيها بطيئا ومتعثرا، خصوصا بالنسبة للجيش الإسرائيلي الذي يتحرك في قطع عسكرية متجاورة يحاول بعضها شد بعض، قبل أن تقطع المقاومة باللهب حبل تعاضدها.
ضيق مسافة المواجهة: بفعل طبيعة الأرض التي تفرض على الطرفين مستوى عاليا من الالتحام، وهو ما يضيق أيضا خيارات التموقع بالنسبة للجيش الإسرائيلي الذي يجد نفسه في مواجهة رشق ينهال من أكثر من بيت وشارع، وهو ما يترجم حجم الدمار الذي أحدثه الاحتلال في جباليا.
تباين الخطط العسكرية: ففي الحين الذي تملك فيه المقاومة بعض أطراف المبادرة، وتملك قدرة على توظيف الأرض ومعطياتها، يواجه الكيان عمى استخباراتيا وفق تعبير الباحث السياسي سعيد زياد، فيما تمكنت المقاومة من كسب أكثر من فرصة عبر الالتفاف على الوحدات الإسرائيلية من أكثر من جهة، والتمكن من رصد حركات الدبابات والآليات، وتفخيخ المباني في طريقها، وقنص جنودها وحتى قطع الإمداد عنها كما حدث يوم الجمعة الماضي.
مستوى الإسناد الجوي: أو كما يسميه الباحث سعيد زياد "ضعف التمهيد الناري" حيث كان الجنود الإسرائيليون يعتمدون على سياسة الأرض المحروقة، وينفذون سياسة "إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها" وهي سياسة ما زال الجيش الإسرائيلي يتمسك بها، ولكنه كما يشير زياد "فقد هذا الزخم الناري لعدة أسباب بعضها سياسي وبعضها فني وبعضها عملياتي، وهو ما جعله أمام مشكلة كبيرة، فالجندي تعود أن تسوي الأرض أمامه قبل أن يتقدم، تعود أن لا ينزل من دبابته قبل تطهير الأرض بالكامل".
وتلك الوضعية جعلت الأولوية الإسرائيلية تجد نفسها في مواجهة نيران "صديقة" أحيانا وغير صديقة، في معظم الأحيان تأتيهم من فوقهم، ومن بين أيديهم ومن أسفل منهم.

وبين تلك المؤشرات المتعددة، تصنع جباليا واحدة من قصصها التاريخية التي لا تنتهي منذ أن صافحت جبالها وجنات الشمس، لتكون مبتدأ التاريخ وأروع أخبار الصمود. (الجزيرة)

المصدر: الجزيرة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك