قد يكون من الصعب على كثيرين خارج الولايات المتحدة استيعاب سبب رغبة ملايين الأميركيين في إعادة دونالد ترمب إلى السلطة. غير أن هناك 6 أسباب أدت إلى ذلك:
السبب الأول: العامل الشخصي
على الرغم من أن دونالد ترمب ملياردير وأصبح جزءاً من النخبة الأميركية منذ عقود، فإنه يبدو قريباً من الناس بالنسبة لكثير من الأميركيين؛ فهو يتحدث بعفوية، مثل شخص عادي في حانة، قد تصدر منه أحياناً كلمات غير ملائمة. يقول بحرية ما يدور في ذهنه، وبمقدوره أيضاً إنفاذ رأيه. كما أنه معروف كمقاتل، وليس فقط منذ محاولتَي الاعتداء عليه. ويبدو أن هذه صفات يرغب الناخبون في رؤيتها بالبيت الأبيض. ومع ذلك، لا يعني هذا أن معظم الأميركيين معجبون بترمب أويحبونه.
السبب الثاني: المال
ربما لا يوجد أي مجتمع آخر في العالم تبنى الرأسمالية المفرطة بشكل أكبر من المجتمع الأميركي؛ حيث يعتمد النظام الاقتصادي بشكل كبير على الأسواق الحرة وتقليل التدخلات الحكومية، وفكرة المشاريع الحرة. بالنسبة لكثير من الناخبين، يأتي موضوع الاقتصاد دائماً على رأس أجندتهم. لكن في الحملات الانتخابية، نادراً ما كان المقصود بذلك النمو القوي أو الاتجاه العام للاقتصاد الوطني، بل إن الأمر يتعلق بأمور أكثر بساطة، وهي: كم سيكون سعر الزبادي والبيض والرقائق والجعة في السوبر ماركت، وكم سيكون سعر البنزين؟
السبب الثالث: التبعيات
تتمثل القاعدة الأكثر ولاء لترمب بالدرجة الأولى في الرجال البيض الذين لا يحملون شهادة جامعية. تظهر الإحصائيات أن دخل هذه الفئة في الولايات المتحدة كان أعلى بكثير من المتوسط الأميركي في عام 1980. لكنه اليوم أصبح أقل منه على نحو ملحوظ؛ ففي مجتمع تتركز فيه الثروات الهائلة للبلاد بشكل متزايد في المدن الكبرى، خاصة على السواحل، بفضل قطاعات مثل التكنولوجيا والصناعة المالية، لم يعد النظام يعمل لصالح العمال في الولايات التي كانت تعتمد على الصناعة سابقاً، مثل بنسلفانيا.
لكن شعبية ترمب تزايدت في تأييد فئات سكانية أخرى، منها الأميركيون من أصول لاتينية، وهي فئة كانت تُعتبَر حتى وقت قريب هدفاً مهماً بالنسبة للديمقراطيين. ومع ذلك، لم تتمكن هاريس من تحقيق النجاح المنشود لدى هذه الكتلة الكبيرة من الناخبين ذوي الخلفية اللاتينية. وحتى بين الرجال السود، حقق الرئيس الحالي جو بايدن قبل 4 سنوات نتائج أفضل، وفقاً للبيانات الأولية، مقارنة بما حققته نائبته كامالا هاريس حالياً.
السبب الرابع: الخوف من استمرار الوضع على ما هو عليه
يقول مَثَل في الولايات المتحدة: «أحياناً يجب كسر البيض لصنع العجة»، ويعني ذلك أن بعض الأمور يجب تدميرها أحيانا لإصلاحها. عَدّ كثيرون كامالا هاريس مرشحة النظام الحاكم، بينما وعد ترمب الذي يُعدّ مرشحاً مناهضاً للنظام، في حملته، بتغيير جذري. وقال إن كل الأمور ستكون مختلفة تماماً في رئاسته، مشيراً إلى أن فوز هاريس العضو في الإدارة الحالية سيكون بمثابة استمرار للوضع على ما هو عليه.
لاقى هذا الوعد صدى بين الأميركيين؛ إذ يشعر كثيرون منهم بأن شيئاً ما يجب أن يتغير، ووجد هؤلاء أن الخطاب موجَّه إليهم عندما وصف ترمب الولايات المتحدة، بصورة قاتمة، بأنها دولة آخذة في الانحدار ومكتظة بالمهاجرين. يبدو أن ترمب يمتلك غريزة لا تخطئ حيال ما يُقلِق الناس. في استطلاعات ما بعد التصويت، ذكر 73 في المائة من ناخبيه أن الشيء الأهم بالنسبة لهم أن ترمب قادر على إحداث التغيير الضروري.
السبب الخامس: عدم الرغبة في وجود امرأة سوداء في منصب الرئيس
هناك قطاعات من السكان لا تزال غير قادرة على أن تتخيل وجود امرأة على رأس أقوى دولة في العالم. ورغم تزايد عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب حاكمات ولايات في أميركا، السنوات الأخيرة، فإن كثيراً من الناس يفكرون بشكل مختلف، خصوصاً في الولايات الجنوبية وغيرها من المناطق المحافظة والريفية في كثير من الأحيان. وفيما يُعرَف بـ«حزام الكتاب المقدس»، تُعدّ البروتستانتية الإنجيلية جزءاً لا يتجزأ من الثقافة، وتُعدّ النسوية لدى كثيرين هناك بمثابة كلمة نابية. كما أن عدم إنجاب هاريس لأطفال بيولوجيين لم يحظَ بقبول جيد لدى هذه الفئات.
السبب السادس: الآفاق السياسية العالمية
كثيراً ما تم التكهُّن قبل الانتخابات حول ما إذا كان الصراع في الشرق الأوسط سيكلف الديمقراطيين أصواتاً. بالنسبة لكثير من الأميركيين ذوي الأصول اليهودية، لم يكن دعم بايدن لإسرائيل كافياً - بينما رأى كثير من المواطنين من أصول عربية أن هذا الدعم زائد عن الحد. وقد انعكس ذلك في استطلاعات ما بعد التصويت؛ حيث قالت غالبية كبيرة من ناخبي ترمب إن الولايات المتحدة يجب أن تدعم إسرائيل بشكل أكبر.
(الشرق الأوسط)