قطعت إسرائيل الكهرباء منذ الأيام الأولى للحرب على قطاع غزة، تاركة الفلسطينيين يضيئون الظلام بالهواتف المحمولة، ويطبخون على اللهب المكشوف.
ورصد تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" هذه المعاناة وسط استمرار القتال في مختلف الجبهات.
ووفقا للتقرير، يصاب أطفال مريم أبو عمرة الستة بالذعر عندما تغرب الشمس. إنهم يخافون من الظلام، ومنذ بدء الحرب في غزة، أصبح منزلهم أسوداً قاتم، كما الحي الخارجي أيضاً، مضاء فقط بشاشات الهواتف المحمولة التي تستهلك عمر البطارية الثمين".
مأساة إنسانية
وانقطع التيار الكهربائي منذ أكثر من عام في قطاع غزة، وكان على السكان الاكتفاء ببدائل لا تلبي احتياجاتهم الأساسية.
وقالت السيدة أبو عمرة، 36 عاما، التي تعيش في دير البلح، في وسط غزة: "كل ليلة هي صراع بالنسبة لنا.. أحيانا يسألني أطفالي متى ستعود الكهرباء مرة أخرى، لكن ليس لدي إجابة".
الكهرباء لبنة أساسية في الحياة العصرية، ولم يكن لدى غزة سوى القليل منها منذ أن اتخذت إسرائيل إجراءات لقطع إمداداتها في الأيام الأولى من الحرب في خطوة قالت إنها لإضعاف حماس، بحسب "نيويورك تايمز".
وقالت أبو عمرة، وهي تطبخ على النار وتغسل يديها قبل غروب الشمس: "لم أكن أعرف أبداً مدى اعتماد جميع الناس والعائلات هنا، بمن فيهم أنا، على الكهرباء... يجب أن أستيقظ مبكراً الآن حتى لا أفوت دقيقة واحدة من ضوء النهار".
قبل الحرب، كانت سنوات من الصراع والحصار الاقتصادي الإسرائيلي المفروض لإضعاف حماس قد تركت شبكة الكهرباء في غزة قادرة على توفير ساعات محدودة فقط من الطاقة كل يوم.
إجراءات إسرائيلية
وكان قطع وصول غزة إلى الكهرباء الإسرائيلية أحد أول الأشياء التي قامت بها السلطات الإسرائيلية بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الذي شنته حماس.
وتمكن بعض الفلسطينيين من اللجوء إلى المولدات أو الطاقة الشمسية، لكن إسرائيل قيدت بشدة القدرة على جلب ألواح شمسية جديدة، أو الوقود لتشغيل المولدات، إلى المنطقة، بحجة أن حماس قد خزنت الوقود المخصص للمدنيين لاستخدامه في الهجمات الصاروخية.
وظلت هذه الإجراءات سارية طوال الحرب، حتى عندما لا تزال بعض خطوط الكهرباء القليلة العاملة في المنطقة تربط شبكة الكهرباء الإسرائيلية بالبنية التحتية الحيوية في غزة، بما في ذلك محطة تحلية المياه الرئيسية التي لا تعمل.
وقال جورجيوس بتروبولوس، المسؤول في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة: "في بعض الحالات، تكون خطوط الكهرباء حية، وتحتاج فقط إلى تشغيلها، وهذا قرار سياسي... الكثير من هذه القضايا ليست مشاكل فنية أو مشاكل في العرض بعد الآن، إنها قضايا سياسية".
منذ بداية الحرب، انتقدت المنظمات الإنسانية قرار قطع الكهرباء عن غزة. ورداً على ذلك، ألقى يسرائيل كاتس، الذي شغل منصب وزير الطاقة في ذلك الوقت وعين وزيراً للدفاع الأسبوع الماضي، باللوم ضمنياً على حماس وغيرها من فصائل المقاومة في غزة لاحتجازها رهائن اختطفوا خلال هجومهم.
تحذيرات
وسمحت إسرائيل بدخول بعض المساعدات إلى غزة بعد احتجاج دولي، لكن إدارة بايدن حذرت إسرائيل الشهر الماضي من أنها إذا لم تسمح بدخول المزيد من الإمدادات الإنسانية إلى غزة، فقد يؤدي ذلك إلى قطع المساعدات العسكرية الأميركية.
وقال منسق الأنشطة الحكومية في المناطق، فرع وزارة الدفاع الإسرائيلية الذي يدير الشؤون في الضفة الغربية وغزة، إنه "يسهل بنشاط دخول ونقل الوقود إلى المنشآت الإنسانية، بما في ذلك المستشفيات والمخابز والبنية التحتية الأساسية الأخرى".
وأضاف أن "الجيش سمح بدخول 30 مليون لتر أو ما يقرب من ثمانية ملايين جالون من الوقود إلى غزة منذ بدء الحرب، بالإضافة إلى 50 لوحاً شمسياً في الأشهر القليلة الماضية". ولم ترد وزارة الطاقة الإسرائيلية على طلبات للتعليق.
وتقول منظمات إغاثة إن هناك حاجة إلى المزيد لاستعادة الكهرباء ومعالجة الأزمة الإنسانية في الإقليم.
دفع انقطاع التيار الكهربائي المستشفيات إلى المطالبة مراراً وتكراراً بالوقود لتشغيل مولداتها، بينما يتدفق التيار الكهربائي بحرية في البلدات الإسرائيلية على بعد أميال قليلة. وقال علاء الدين أبو عودة، مدير الهندسة والصيانة في وزارة الصحة في غزة، إن مستشفيات المنطقة " تعمل برحمة الله".
الأضرار التي لم يتم إصلاحها من الصراعات المتكررة بين حماس وإسرائيل تركت بالفعل البنية التحتية الكهربائية للجيب "في حالة يرثى لها" حتى قبل بدء الحرب، وفقاً لتقرير صادر عن مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث إسرائيلي في جامعة بار إيلان.
وبالنسبة إلى رشا ماجد العطار، 20 عاماً، كانت الشمس في غزة "نعمة" وسط الفوضى المحيطة بها في دير البلح، حيث فرت عائلتها من مدينة غزة.
وعدة مرات في الأسبوع، تمشي إلى محطة شحن قريبة وتشحن 10 هواتف من لوحة شمسية، وقالت إن عائلتها تستخدمها في الغالب كأضواء ليلية لأطفالهم الذين يبكون في الظلام، وتضيف: "لا أستطيع أن أتخيل أننا نعيش في القرن 21، بينما نكافح كثيراً للحصول على أسهل الأشياء". (24)