تستمر الحياة اليومية في كييف بوتيرتها المتناقضة؛ فبينما يتردد صوت المواكب الجنائزية وضربات الصواريخ، تعود شوارع المدينة إلى نشاطها المعتاد، حيث تفتح المتاجر والمطاعم أبوابها، والسياسيون يناقشون قضاياهم. ومع اقتراب موعد تنصيب دونالد ترامب في 20 كانون الثاني 2025، تدور تساؤلات حول موقف إدارته المرتقبة من الصراع في أوكرانيا، وما إذا كان سيميل إلى دعم كييف أو موسكو.
وفي الداخل الأوكراني، تتعلق الأنظار أيضًا بتاريخ 25 أيار، الموعد الأقرب للانتخابات الرئاسية الأوكرانية. ومع ذلك، نفت مصادر في مكتب الرئيس التحضير لإجراء الانتخابات، مشيرة إلى أن احتمالات التصويت في ظل الظروف الراهنة تبقى غير مؤكدة، وهو ما يترك المجال للشائعات والتكهنات.
أحد التحديات التي تواجه البلاد هو كيفية تنظيم انتخابات شرعية في ظل الانقسام وحالة الحرب المستمرة. ومع اقتراب الشتاء، يستعد الأوكرانيون لمواجهة ظروف قاسية قد تكون مصحوبة بتصعيد عسكري روسي محتمل، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في أوكرانيا.
ويقول النائب المعارض ياروسلاف جيليجنياك: "إن الانخراط في الانتخابات في الوقت الحالي سيكون بمثابة انتحار".
ومع ذلك، يبدو أن بعض الأعمال التمهيدية قد بدأت. فالمقرات الانتخابية الإقليمية تقوم بالتعبئة، فيما تقوم الأحزاب بالعمل على قوائم المرشحين.
ويقول ممثلو أحد المنافسين المحتملين لفولوديمير زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لمجلة إيكونومست البريطانية، إن أوكرانيا بحاجة إلى الانتخابات؛ لكنهم قلقون من الإدلاء ببيان علني بهذا المعنى، خوفًا من رد فعل عنيف من المكتب الرئاسي.
تهديد حقيقي
ووفق مجلة إيكونومست، إذا أُجريت الانتخابات غدًا، سيواجه زيلينسكي صعوبة في تكرار النجاح الساحق الذي حققه في عام 2019.
وبعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على الهجوم الروسي، لم يعد يُنظر إليه على أنه قائد الحرب بلا منازع كما كان في السابق.
وتشير استطلاعات الرأي الداخلية التي اطلعت عليها مجلة "إيكونوميست"، إلى أن الرئيس سيحقق نتائج سيئة في جولة الإعادة ضد فاليري زالوجني، البطل الآخر في زمن الحرب.
وعين زالوجني القائد العام السابق للقوات المسلحة، سفيرًا لدى بريطانيا بعد خلافه مع الرئيس العام الماضي.
لكن لم يعلن الرجل طموحاته السياسية حتى الآن، على الرغم من أن الكثيرين يحثونه على الترشح في الانتخابات الرئاسية.
ووفق الاستطلاعات، يبدو الرئيس أفضل حالاً عندما يكون في مواجهة شخصيات معارضة أخرى، بعضها غير محبوب بشكل كبير. لكن زميلاً سابقاً للرئيس يقول إن أفضل خطوة له قد تكون التنحي، والالتزام بوعده الأصلي بأن يخدم فترة ولاية واحدة فقط.
وقال هذا المصدر: "ليس أمام زيلينسكي سوى مخرج واحد للخروج من منصبه بسمعة سليمة، وهو أن يجري الانتخابات بدونه ويدخل التاريخ باعتباره الرجل الذي وحد الأمة في الحرب".
وتابع "أما البديل فهو المخاطرة بالارتباط بانهيار عسكري أو سلام غير مكتمل".
ووفق المجلة البريطانية، فإن الوضع المتدهور على الجبهات الأمامية بدأ بالفعل في الانتشار في المجتمع. إذ يرى دميترو بوفوروتني، وهو قسيس يعمل في الجيش، ذلك في الجنود الجدد الذين يتحدث إليهم.
ويقول: "هناك الكثير من الرجال غير المتحمسين. إنهم يقاتلون لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة"، مضيفا أن "الجيش يفرض رقابة على الأخبار الأكثر سلبية لتجنب تأجيج النيران في الوطن".
ويوافقه الرأي مسؤول عسكري رفيع المستوى، يرى أنه "حتى زيلينسكي يتم حمايته من الحقيقة"، ويقول لـ"إيكونومست"، ”الأمر ليس حتى أنه يتم الاحتفاظ به في حمام دافئ"، مستخدماً تعبيراً محلياً للإشارة إلى أن الرئيس محاط بشرنقة من قبل كبار مسؤوليه يقومون بفلترة ما يصله.
وبينما تلوح رئاسة ترامب في الأفق، تستعد أوكرانيا للتغيير، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يبدو المسؤولون في كييف متأكدون من حدوثه. أما في نقاط أخرى، فالمسؤولون أقل ثقة. إذ شعروا ببعض التشجيع من الأخبار التي تفيد بأن ترامب سيعين اثنين من الصقور النسبيين في مناصب مهمة في السياسة الخارجية، ماركو روبيو وزيرًا للخارجية، ومايك والتز مستشارًا للأمن القومي.
لكن المسؤولين الأوكرانيين انزعجوا عندما خرج وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، الذي ينظر إليه على أنه أكثر تعاطفًا مع كييف، من دوائر تعيينات ترامب، كما يقول أحد كبار المسؤولين الأمنيين في كيف.
والقلق الآن هو أن عرض ترامب لأوكرانيا سيصبح أقرب إلى الأفكار التي طرحها نائبه جي دي فانس، في وقت سابق. ومن شأن ذلك أن يستبعد بشكل أساسي عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مع السماح لروسيا بالاحتفاظ بـ18% من أراضي أوكرانيا التي تحتلها حاليًا. (العين الاخبارية)