ذكر موقع "Responsible Statecraft" الأميركي أن "الهجوم المفاجئ الذي شنته المعارضة السورية بقيادة جماعة إسلامية متطرفة يسلط الضوء بشكل درامي على التداعيات الإقليمية الهائلة التي أحدثتها حرب إسرائيل ضد حزب الله. إن عجز الحزب، على الأقل في الوقت الحالي، عن لعب دور بارز في الدفاع عن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد يشكل نقطة تحول حقيقية، كما يتضح من السهولة والسرعة التي تقدم بها المتمردون على الأرض بعد إطلاق حملتهم في السابع والعشرين من تشرين الثاني".
وبحسب الموقع، " إن نجاحهم حتى الآن يشكل معضلة خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة نظرًا لأن "هيئة تحرير الشام" تقود الهجوم، على الرغم من مشاركة عدد من الجماعات المدعومة من تركيا، بما في ذلك "الجيش الوطني السوري". وتُعرف هيئة تحرير الشام كجماعة سلفية جهادية، وكانت تُعرف سابقًا باسم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وتصنفها الولايات المتحدة ودول أخرى كجماعة إرهابية.بالطبع، كان تنظيم القاعدة هو الذي نفذ أسوأ هجوم على الإطلاق على الأراضي الأميركية في الحادي عشر من أيلول 2001، وفي حين انفصلت قيادة هيئة تحرير الشام علناً عن تنظيم القاعدة وتبدو مركزة على الوضع المحلي في سوريا، فإنها تظل ملتزمة بالإيديولوجية السلفية الجهادية لمنظمتها الأم السابقة".
وتابع الموقع، "بعد الاستيلاء على حلب، اكتسبت القوات التي تقودها هيئة تحرير الشام السيطرة الكاملة على محافظة إدلب ودخلت محافظة حماة حيث تخوض اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري المدعوم من روسيا. وقد شن المتمردون هجومهم في نفس اليوم الذي دخل فيه وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ. لا شك أن التوقيت كان مرتبطاً بحالة حزب الله الضعيفة، التي لعبت دوراً حاسماً في مساعدة الحكومة السورية على اكتساب اليد العليا ضد المتمردين المسلحين في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011. وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، فإن حزب الله ملزم بإنهاء وجوده المسلح في جنوب لبنان، الأمر الذي قد يعيق بالتالي قدرته على العمل كقوة قتالية فعالة في سوريا".
وأضاف الموقع، "قال رياض قهوجي، مؤسس معهد التحليل العسكري للشرق الأدنى والخليج ومقره دبي، للموقع إن "الفصائل المسلحة المناهضة للحكومة السورية أرادت الاستفادة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي يقيد حركة حزب الله". وفي الوقت نفسه، هناك إجماع واسع النطاق على أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل ساهمت في نجاح تنفيذ هجوم الصدمة الذي شنه المتمردون. لمواجهة الجيش الإسرائيلي، سحب حزب الله قواته من الساحة السورية، وبالتالي خلق فجوة في القوات الموالية للحكومة والتي منحت المتمردين بطبيعة الحال فرصة كبيرة. والواقع أن المتمردين أنفسهم لاحظوا الميزة الاستراتيجية التي اكتسبوها من عمليات إسرائيل ضد حزب الله".
وبحسب الموقع، "بعيداً عن شروط وقف إطلاق النار، هناك عوامل أخرى تجعل من غير المرجح أن ينشر حزب الله قواته بأعداد كبيرة في سوريا، على الأقل في المستقبل المنظور، ومن أبرز هذه العوامل إرهاق الحرب، بعد خوض صراع شاق مع إسرائيل تكبد فيه الحزب خسائر فادحة غير مسبوقة. وقال العميد المتقاعد في الجيش اللبناني حسن جوني في تصريحات للموقع: "حزب الله لم يعد قادراً على الانخراط عسكرياً بشكل كبير في الأحداث في سوريا، وقد استنفد قواه بسبب الحرب مع إسرائيل". وعلاوة على ذلك، فإن التركيز الفوري للحزب سوف ينصب على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل حيث يبدو أن وقف إطلاق النار بالكاد صامد. وقالت اوساط حزب الله للموقع: "ستكون الأولوية الآن على الجبهة مع إسرائيل"، مضيفةً أنه من المرجح أن يتدخل لاعبون آخرون لدعم الأسد".
وتابع الموقع، "في الوقت عينه، أوضحت إيران أنها لا تزال ملتزمة بمنع المتمردين من الانتصار على الحكومة السورية. والتقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم الأحد مع الأسد في دمشق لمناقشة آخر التطورات، مؤكداً دعم طهران لحليفها التقليدي. كما تعهدت طهران بالإبقاء على مستشارين عسكريين في سوريا، وعبر مقاتلون من الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران الحدود للمساعدة في وقف تقدم المتمردين. في الواقع، لا ينبغي أن تكون هذه التطورات مفاجئة نظراً لأن التطورات الإقليمية تجعل من الضروري بالنسبة لطهران أن تظهر دعمها لحليفها السوري. قال عباس أصلان، الزميل البارز في مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية ومقره طهران للموقع: "هناك اعتقاد مفاده أنه في ضوء الأحداث في غزة ولبنان، يمكن تقويض محور المقاومة في سوريا، لكن إيران تريد أن تظهر أن هذا ليس هو الحال ولن يحدث".
وأضاف الموقع، "ما يتبقى هو مدى نجاح طهران في دعم الحكومة السورية دون الاعتماد بشكل كبير كما في الماضي على عناصر حزب الله المخضرمة، على الرغم من العمليات الجوية الروسية ضد المتمردين. إن قدرة حلفاء طهران العراقيين على ملء الفراغ الذي خلفه حزب الله في سوريا أمر مشكوك فيه، فبراعة حزب الله في ساحة المعركة تتجاوز بكثير براعة الفصائل الشيعية المسلحة العراقية. وعلاوة على ذلك، يعتقد الخبراء أن النفوذ والضغط الأميركيين في العراق يحدان من مقدار القوة البشرية التي يمكن للفصائل العراقية الموالية لإيران والتي تنتمي إلى "قوات الحشد الشعبي" نشرها في سوريا. وأوضح قهوجي: "لقد رأينا أن قوات الحشد العراقي لم تتمكن إلا من إرسال تعزيزات محدودة للغاية إلى سوريا، حوالي مائتين إلى ثلاثمائة"، مضيفًا أن الولايات المتحدة كانت تضغط على بغداد لعدم تقديم الدعم للأسد".
ورأت الصحيفة أن "موقف واشنطن في ما يتعلق بالتطورات الجارية يعكس حالة من الارتباك التي ميزت السياسة الأميركية منذ بدء الصراع في سوريا قبل أكثر من عقد من الزمان. ففي مقابلة مع شبكة سي إن إن، أعرب مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن مخاوفه بشأن هيئة تحرير الشام، في حين ألمح أيضاً إلى أن واشنطن لا ترى بالضرورة الأحداث في سوريا في ضوء سلبي. إن الكيفية التي تنوي بها إدارة دونالد ترامب القادمة التعامل مع الوضع في سوريا هي تخمينات لا أحد يعرفها. ونظراً لأن الرئيس المنتخب اختار مؤيدين إسرائيليين مخلصين لشغل مناصب عليا في حكومته، فيبدو أن هناك سبباً قوياً للاعتقاد بأن سياسة ترامب تجاه دمشق سوف تحددها إلى حد كبير التفضيلات الإسرائيلية. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يكون نهج واشنطن هو إضعاف الأسد وربما إزاحته من السلطة نظراً لتحالفه الطويل الأمد مع إيران، التي تظل العدوّ رقم واحد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
وختم الموقع، "رغم أن هذه التصريحات لم تترجم قط إلى سياسة ملموسة، فمن المتوقع أن يتولى ترامب نفسه، وليس مساعديه، إدارة شؤون السياسة الخارجية في ولايته الثانية. فمنذ ثماني سنوات، كان يرى بوضوح أن القوى السلفية الجهادية تشكل تهديدا أعظم للمصالح الأميركية من الأسد أو إيران، ولكن ما إذا كان هذا هو الحال اليوم لا يزال غير واضح".