رغم اتفاق وقف إطلاق النار، فإن إسرائيل تواصل استهداف البلدات الجنوبية الحدودية مع تحليق مكثف للطيران الاستطلاعي الإسرائيلي فوق الجنوب وبيروت والبقاع، توازياً مع هجومها على المعابر الحدودية مع سوريا، حيث استهدفت معبري العريضة والعدرا في ربلة ومعبر جوسيه في شرق لبنان لتخرج هذه المعابر عن الخدمة، ويبقى فقط معبر المصنع الحدودي متاحاً، خصوصا للرعايا السوريين وفقاً للإجراءات الاستثنائية المؤقتة المعممة سابقا من المديرية العامة للأمن العام.
كل ذلك يحصل، مع تعزيز الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، قواته في هضبة الجولان المحتل، ومن المتوقع أن يجتمع المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) مساء السبت ويوم الأحد. ونقلت وسائل إعلام عبرية، منها صحيفة يديعوت أحرونوت، أن الوزراء سيناقشون بالأساس التطورات في سوريا.
وكما بات معلوماً فان الفصائل المسلحة سيطرت على إدلب وعلى حلب وأريافها، وعلى مدينة حماه، وتتزايد المخاوف من حدوث معارك واسعة في حمص التي تتشابك فيها المصالح الإقليمية والمحلية والتي يعتبر سقوطها خطاً أحمر بالنسبة لحزب الله، علماً أن قصفاً روسياً استهدف جسر الرستن على الطريق الرئيسي المؤدي إلى حمص لمنع تقدم من وصفهم بالمسلحين نحو المدينة، في حين أعلنت تركيا، أن "إدلب وحماة وحمص بيد المعارضة السورية وهم مستمرون باتجاه دمشق".
في غضون هذا التطور، حصلت تفاهمات جديدة بين قيادة الجيش العربي السوري وقوات "قسد"المدعومة أميركيا ونصت على انتشار الأخيرة في ريف الرقة ومحيط مدينة دير الزور شرقي سوريا وسيطرت على معبر البوكمال الحدودي مع العراق، مع الاشارة إلى أن الولايات المتحدة تريد إغلاق بوابة البوكمال أمام الشحنات المرتبطة بإيران لإغلاق خط الإمداد لحزب الله، وتنشر الولايات المتحدة نحو 900 من جنودها في سوريا و2500 في العراق في إطار التحالف الدولي الذي أنشئ في العام 2014 لمكافحة تنظيم داعش،كما أن واشنطن صنفت هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية.
مما لا شك فيه أن معركة حمص في الساعات المقبلة سوف تشكل نقطة التحول لأنها الطريق التي من خلالها ستحكم المعارضة المسلحة سيطرتها تجاه لبنان والعراق ودمشق، وثمة مخاوف كبرى في لبنان من عودة المجموعات الإرهابية، وثمة ترقب وحذر عند حزب الله لا سيما وأن القصير في محافظة حمص تشكل الخلفية الاستراتيجية له، وسقوط حمص يعني قطع طريق تموين الأسلحة إليه. وقد أكد الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أول أمس أنّنا "سنكون كحزب الله إلى جانب سوريا في إحباط أهداف هذا العدوان بما نتمكن منه".
وهنا يشير العميد المتقاعد والخبير العسكري بهاء حلال لـ"لبنان24" الى ان سقوط حمص لو حصل، يعني ان سوريا سقطت مما سينعكس على كل الدول المجاورة في ظل الحديث عن مشاريع التفتيت التي تحضر للمنطقة.
وفي ما خص لبنان وبعد وقف اطلاق النار بموجب اتفاق ألية تنفيذ القرار 1701،يعتقد حلال أن الخطر الداهم من سوريا قد يؤثر على لبنان، من خلال محاولة المجموعات الإرهابية التسلل إلى الشمال و البقاع، وهذا الأمر يتهيبه حزب الله الذي سوف يدرس كيفية مشاركته وطرق دعمه للنظام في سوريا، لكن ذلك قد يسجل عليه لناحية عدم التزامه باتفاق الطائف، مما قد يدفع خصومه إلى التشدد في المطالبة بنزع سلاحه، معتبرا أن هذه الأيام دقيقة وحرجة لا سيما وأن إسرائيل في الوقت نفسه تواصل انتهاكاتها وقد تواصل خروقاتها طيلة الستين يوما.
أما العميد الركن المتقاعد خليل الجميل فيؤكد لـ"لبنان24" أن تجربة اللبنانيّين مع الأحداث المشابهة التي حَصَلَت في سوريا عام 2011 وما تلاها من أعوام، ما تزال ماثلة في أذهان معظم الفئات والأطياف اللبنانيّة، وقد كانت بحقّ تجربة قاسية ومؤلمة للجميع، من حيث نشر الفوضى والدمار وتدفّق مئات الألاف من النازحين ومحاولات بعض مجموعاتهم السيطرة على مناطق لبنانيّة والتحكّم بمصير أبنائها وطريقة عيشهم، كما ومهاجمة وقتل وأسر عناصر القوات المسلّحة اللبنانيّة، وهذا الضرر لم يلحق بالبيئة اللبنانيّة فحسب بل أصابت شظاياه أيضًا مجتمع النازحين السوريين المسالمين وحفرت اشمئزازًا عميقًا في ذاكرة اللبنانيين والسوريين على السواء، إلى أن تمكّنت الدولة اللبنانيّة من إعادة فرض هيبتها وأثبت اللبنانيون أنهم وبجميع أطيافهم يرفضون الظواهر البعيدة عن عاداتهم وتقاليدهم وعيشهم المشترك وحينها لم يصحّ إلّا الصحيح ولو بعد حين. من هنا فإن اللبنانيين ليسوا مستعدّين اليوم لتكرار هذه التجربة التي تيقنوا سابقًا من ضررها عليهم، فما لسوريا لسوريا، وما للبنان للبنان ولسان حال الجميع أن لا شأن لنا في مشاكل سوريا الداخلية، واللبناني اليوم يؤمن بنظريّة الحياد أكثر من أي وقتٍ مضى.
وعما يمكن أن يقوم به الجيش في البقاع الشمالي وعلى طول الحدود مع سوريا في حال تطورت الأمور نحو الأسوأ يشير العميد الجميل إلى أن الجيش ينتشر على طول الحدود البريّة مع سوريا والبالغة حوالي 350 كيلومترًا، بأفواج الحدود البريّة المتمركزة في عشرات المراكز العسكريّة المحصّنة وأبراج المراقبة المجهّزة، تساندها من الخلف وفي العمق ألوية وأفواج خاصّة جاهزة للتدخّل وصدّ أي خرق أو ثغرة قد تنتج عن محاولات تقدّم أو تسلل ولقمع أي محاولات داخليّة للعبث بالأمن، وقد عزَّزَ الجيش هذه الوحدات أيضًا بوحدات كوماندوس ونخبة، للتدخّل السريع والحاسم. وفي الساعات الماضية عزز انتشاره على كامل الحدود الشرقية والشمالية البقاعية، بالتوازي مع تكثيف عمليات الرصد والمراقبة في المناطق الحدودية لضمان استقرار الوضع الأمني.
ويضيف الجميل: لقد خَبِرَ الجيش هذه المجموعات وطريقة قتالها وانتصر عليها في السابق وهو جاهز للدفاع عن حدوده وأرضه، ومن ناحية أخرى فقد أثبت المجتمع اللبناني على مرّ السنين أنه يقف خلف الجيش وهو جاهز لمؤازرته ومساندته عند الحاجة، ولا تزال تجربة معارك مخيم نهر البارد ومساندة سكان الجوار للجيش ماثلة أيضًا للأذهان.
ولا يخفي العميد الجميل قلقه مما يجري في سوريا قائلاً "رغم ان المجموعات التي تقاتل في سوريا تؤكّد أن أهدافها تنحصر في الداخل السوري، ولكن الاستعداد السياسي والعسكري والشعبي هو الضمانة الوحيدة ضد كل المفاجئات وإن الشكّ من حسن الفطن".