في الثامن من كانون الأول 2024، شهد السوريون يومًا تاريخيًّا بسقوط نظام امتد لأكثر من ستة عقود، بعد صراعات ومعارك دامية خلال العقد الأخير، أدت إلى نشوء تنظيمات مسلحة وموجة لجوء هي الأكبر في التاريخ الحديث.
النظام الذي هيمن لعقود انهار في 11 يومًا فقط، بعد هجوم مفاجئ للفصائل، حيث تهاوت المدن السورية الرئيسة واحدة تلو الأخرى، بدءًا من حلب ثم حماة وحمص وصولًا إلى دمشق.
ومع الإعلان عن إسقاط النظام، يبرز السؤال الأهم: ماذا بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد؟
خريطة السيطرة
السيطرة على الأراضي السورية باتت مقسمة بين قوتين رئيستين، حيث تسيطر هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع المعروف بـ"الجولاني" على المدن الكبرى والساحل الغربي، فيما بسطت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بقيادة مظلوم عبدي، نفوذها على مناطق واسعة شرق الفرات، مدعومة من واشنطن وعلاقات متينة مع إسرائيل؛ ما يمهد الطريق لها لتحقيق طموحها في إقامة دولة كونفدرالية على غرار إقليم كردستان العراق.
في ظل هذه التغيرات، أعلنت المعارضة نيتها تشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد، مع ضمان انتقال سلس للسلطة من الحكومة الحالية، حيث أكد رئيس الوزراء السوري محمد غازي الجلالي استعداد حكومته للتعاون لتأمين انتقال منظم يحافظ على مؤسسات الدولة.
مشهد معقد
المعارضة المسلحة أكدت عدم رغبتها في الدخول في مواجهات جديدة، خصوصًا مع قوات قسد، نظرًا لاتفاق الطرفين على الهدف المشترك المتمثل في إسقاط النظام.
ومع ذلك، فإن تعقيدات المشهد السوري تزداد بفعل اختلاف الأيديولوجيات بين الأطراف المسيطرة، إضافة إلى التحديات التي تواجه الأقلية العلوية بعد انهيار النظام.
من جهة أخرى، يبدو أن النفوذ الإيراني وحزب الله في سوريا قد انتهى فعليًّا، حيث أزيلت رموزهم وصور قادتهم من السفارة الإيرانية في دمشق، بعد سيطرة المعارضة على العاصمة وإعلانها دمشق "مدينة حرة"، ودعوة اللاجئين للعودة إلى سوريا الجديدة.
دولة القانون
وفي بيان رسمي، أكدت إدارة الشؤون السياسية التابعة للمعارضة أن سوريا القادمة ستكون دولة قانون وعدالة، قائمة على مؤسسات تحقق الكرامة للشعب السوري.
وشدد البيان على أهمية تحقيق مصالحة وطنية شاملة مبنية على العدالة والمساءلة، مع وضع خطة لإعادة إعمار البلاد وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها سنوات الحرب.
القائد العام لهيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، دعا مقاتلي المعارضة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة باعتبارها ملكًا للشعب، مؤكدًا أهمية التواضع والمسؤولية في إدارة المرحلة الانتقالية، فيما وصف هذا التحول بأنه أعظم ثورة في التاريخ الحديث.
مصير الأسد
وفي ظل هذه التطورات، لا يزال مصير الرئيس السوري السابق بشار الأسد مجهولًا، حيث تفيد التقارير بأنه اختفى منذ دخول المعارضة دمشق، مع وجود عمليات بحث مكثفة تجريها القوات لاستجواب المسؤولين المقربين منه حول مكانه.
ومع هذه التطورات، سوريا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، حيث يتوقف نجاح المعارضة على قدرتها على تحقيق التوازن بين المصالحة الوطنية، بناء الدولة، وضمان استقلالية القرار بعيدًا عن النفوذ الأجنبي. (ارم نيوز)