ذكر موقع "The Conversation" الأسترالي أنه "أعادت مشاهد الفرح التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد في سوريا إلى الأذهان مشاهد مماثلة لسقوط الأنظمة السابقة في المنطقة، مثل الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، وحسني مبارك في مصر، وصدام حسين في العراق، وعمر البشير في السودان. ولكن التاريخ يحذرنا أيضاً من التحديات التي قد تأتي لاحقاً: فالنشوة الأولية غالباً ما تفسح المجال لعدم الاستقرار والمأساة والندم، مع شوق الكثيرين إلى النظام القديم. والسؤال الآن هو ما إذا كانت سوريا قادرة على رسم مسار مختلف هذه المرة، وتجنب المزالق التي ابتليت بها دول أخرى بعد اضطرابات مماثلة".
وبحسب الموقع، "إن سوريا بلد مجزأ عرقيًا ودينيًا، مع أربع مجموعات رئيسية لها أجندات سياسية متضاربة. أولاً الأكراد، وتسيطر هذه المجموعة العرقية التي يبلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة على شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا، والتي تربطهم بها علاقة عدائية. ونتيجة لذلك، هناك توترات بين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة وهيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا، وهي الجماعة المتمردة التي قادت تحالف القوى المعارضة للإطاحة بنظام الأسد. ووافقت هذه المجموعات على وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، ولكن هناك بالفعل تقارير تفيد بانهياره. ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن الأكراد حليف استراتيجي لإسرائيل، التي دعمت تاريخيًا تطلعاتهم إلى دولة مستقلة في أجزاء من العراق وسوريا وتركيا وإيران".
وتابع الموقع، "ثانياً، هيئة تحرير الشام، وتتألف الجماعة المتمردة التي تسيطر الآن على جزء كبير من البلاد من طيف من الفصائل الإسلامية. وتشمل هذه الفصائل المعتدلين والجهاديين المتشددين والمقاتلين الأجانب من آسيا الوسطى ذوي الخلفيات الإسلامية المتطرفة. كما تزعم الجماعة أنها تمثل الأغلبية العربية السنية في سوريا. وحاول زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، المعروف أيضًا باسم أبو محمد الجولاني، إعادة تسمية الجماعة بأنها معتدلة، رغم أنه يحتفظ بطموحاته في نموذج الحكم الإسلامي. وفي الواقع، هذا الأمر يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة للأردن ومصر، وكلاهما يواجه تحديات سياسية من جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي فرعها السوري إلى هيئة تحرير الشام".
وأضاف الموقع، "ثالثاً، الطائفة الدرزية، وهي ثالث أكبر طائفة في سوريا تقطن في المقام الأول في الجنوب بالقرب من الحدود الإسرائيلية. ويقال إن بعض زعماء الدروز دعوا إلى ضمهم إلى إسرائيل، على الرغم من أن آخرين في مرتفعات الجولان المحتلة، والتي انتزعتها إسرائيل من سوريا في عام 1967، دعوا إلى عودة مرتفعات الجولان إلى السيطرة السورية. ولقد وافقت إسرائيل للتو على خطة لتوسيع المستوطنات في مرتفعات الجولان، وتقدمت القوات الإسرائيلية إلى ما وراء المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود في الأيام الأخيرة. رابعاً، الشيعة والمسيحيون العلويون.هؤلاء هم الأقليات الأكثر عرضة للخطر بعد انهيار نظام الأسد، حيث لم تعرب أي دولة مجاورة أو فصيل محلي عن اهتمامها أو قدرتها على حمايتهم".
ثلاث نتائج محتملة
وبحسب الموقع، "الآن، يشير تحليل ديناميكيات القوة هذه داخل سوريا والجيوسياسات الإقليمية الأوسع إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل البلاد. أولاً، دولة علمانية فيدرالية. يتصور هذا السيناريو بنية فيدرالية لسوريا، تستوعب تركيبتها المتعددة الأعراق والأديان. ومن شأن النظام الفيدرالي أن يسمح لكافة المجموعات بالحصول على تمثيل على المستويين المحلي والفيدرالي. ويؤيد هذا النهج الأكراد، الذين يتمتعون بالفعل بالحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع، إلى جانب العديد من الأقليات الأخرى. ولكن هيئة تحرير الشام لم تعلق رسميا على الدور الكردي في الدولة الجديدة. وفي حديث دبلوماسي، قال الشرع فقط "في سوريا القادمة، سيكون الأكراد أساسيين. سنعيش معا وسيحصل الجميع على حقوقهم بالقانون". كما أن قبول نموذج فيدرالي في المنطقة الأوسع مختلط. فإسرائيل تدعم الفيدرالية، وقال وزير الخارجية جدعون ساعر مؤخرا إن دولة سورية واحدة ذات سيطرة وسيادة فعالة على كامل مساحتها "غير واقعية". وأضاف: "المنطق هو السعي إلى الحكم الذاتي للأقليات المختلفة في سوريا، ربما مع هيكل فيدرالي". لكن دول مجاورة أخرى مثل الأردن وتركيا تعارض الفكرة، فهي تخشى التأثير الذي قد يخلفه مثل هذا الترتيب على الأقليات لديها، وخاصة الأكراد في تركيا".
وتابع الموقع، "ثانياً، دولة قوية مركزية. إن هذا النموذج سوف يقوم على حكومة مركزية تهيمن عليها جماعات إسلامية سنية، مثل هيئة تحرير الشام. وقد يؤدي هذا إلى حكم استبدادي، وتهميش الأقليات، وزيادة دور الشريعة الإسلامية في الحكم. وتدعم تركيا بقوة هذا السيناريو، الذي تراه وسيلة للقضاء على التهديد الذي تشكله ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي تسيطر على أجزاء من شمال سوريا، وتعتقد أنقرة أنها متحالفة مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي في تركيا. إن الدولة القوية المركزية سوف تسمح لتركيا أيضًا بتوسيع نفوذها في سوريا. ولديها دوافع اقتصادية لهذا، مثل طموحاتها لإنشاء خط أنابيب للغاز من قطر إلى أوروبا عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا".
وأضاف الموقع، "ثالثاً، الصراع المطول والانفصال الفعلي. هذه هي أسوأ نتيجة ممكنة للشعب السوري، ما يعني استمرار العنف وبقاء سوريا منقسمة على أسس عرقية ودينية. وهناك العديد من العوامل التي تشير إلى أن سوريا قد تتجه في هذا الاتجاه، على غرار ليبيا والسودان في السنوات الأخيرة. فسوريا لديها مجموعات عرقية ذات مظالم تاريخية عميقة، تفاقمت بسبب حكومة استبدادية، كما أنها لا تمتلك تقاليد ديمقراطية قوية. إن هذا السيناريو يفيد إسرائيل بشكل كبير، لأنه يضعف أحد أعدائها التاريخيين، ومن المرجح أن تسعى تركيا إلى توسيع احتلالها لأجزاء من شمال سوريا لمزيد من التحدي للمقاتلين الأكراد هناك".
ماذا تريد المنطقة؟
بحسب الموقع، "كما توضح كل هذه السيناريوهات، فإن مستقبل سوريا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشهد الإقليمي الذي تمارس فيه دول مختلفة نفوذها، وكل منها تسعى إلى تحقيق مصالح سياسية واقتصادية وأمنية متميزة. لقد اجتمعت ثمانية دول أعضاء في جامعة الدول العربية مؤخراً في الأردن للتعبير عن دعمها لـ"عملية انتقال سلمي" في سوريا، كما اجتمعوا بشكل منفصل مع كبار الدبلوماسيين من الولايات المتحدة وتركيا، ودعوا إلى تشكيل حكومة شاملة تحترم حقوق الأقليات. ولكن هذا المؤتمر لم يسفر عن خطة متينة بسبب الاختلافات الحادة بين الحاضرين حول مستقبل سوريا، بالإضافة إلى غياب لاعبين رئيسيين آخرين مثل إسرائيل.وفي ظل الظروف الحالية، فإن تشكيل إطار دولي لمستقبل سوريا أمر ضروري".